العودة   منتديات عالم الزين > منتديات القصائد والخواطر - قصائد جديده - خواطر جديده - قصص منوعه - روايات طويله > قصص - روايات - قصص طويله وقصيرة - Stories

قصص - روايات - قصص طويله وقصيرة - Stories قصص ، قصص ، روايات ، قصص واقعية ، روايات كاملة ، قصص قصيرة ، قصص خيالية ، قصص




المواضيع الجديدة في قصص - روايات - قصص طويله وقصيرة - Stories


إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  1  
حنين الورد11


"بين الأمس واليوم"

سأقول فقط أني كتبتها عن عشق لما أكتب.. وأنا هكذا دائما: عاشقة أبدية للكتابة.. وروحي دائما مخلصة لما أكتب

فهذا الولع بسكب الكلمات يحتويني.. ويغذيه تواصلكم الرائع وتذوقكم الرفيع لما أكتب وتوجيهه وتصويبه

منذ أن انتهيت من "أسى الهجران" لم أتوقف عن الكتابة..أحيانا في اليوم لا أكتب إلا سطرين

لكن لا يمكن أن أتوقف عن ممارسة هذا العشق الأزلي

أتمنى وأنتم تقرؤون أن تشعروا برائحة هذا الوله المصفى يعبق بين سطوري..

كان لدي الكثير من الأفكار.. وكنت قد بدأت قبل أن أنتهي من أسى الهجران بفكرة رواية تاريخية عن تاريخ قطر منذ أواخر القرن الثامن عشر

ولكن هذه الفكرة احتاجت كثير من المراجع والدقة

فوجدتني أنزلق لفكرة أخرى تدور الأحداث فيها بين الأمس واليوم..أحداث حدثت في الأمس وبقي أثرها لليوم

بقي الأثر فيها مشنقة يُنصب عليها أبطال الرواية ومشاعرهم وتصرفاتهم

الشخصيات عديدة.. لا يوجد لدي البطل الأوحد بمعناه المجرد
قد يزداد ظهور بعض الشخصيات وفقا لمقتضيات الحدث وأهميته ليس إلا
اليوم سنتعرف على عائلة واحدة فقط .. ثم نتعرف على البقية تدريجيا
.
.
هذه الرواية أخص بها منتدى **** حصريا
وأعتذر بشدة وعمق لكل صديقاتي الأثيرات الغاليات في المنتديين الأخريين اللاتي كن خلفي بكل حماس وإخلاص ومحبة
سامحنني إن لم أستطع أن أتواصل معكم هناك
ومطلقا ليس لنقص في معزتكم المتعاظمة في روحي ولا لاشتياقي المتزايد لكم
ولكن لم يعد بي طاقة فكرية للقفز بين عدة منتديات
قررت أن أستقر حيث أشعر بالراحة والاحتضان والاحتواء والتبادل الفكري الراقيمنتدى ***** الثقافي
وأتمنى أن أراكم جميعا حولي هنا قريبا
فالانترنت فضاء مفتوح.. لا يحد التواصل فيه أي حواجز أو قيود
.
.
أعترف لكم أني جبنت كثيرا عن إنزال القصة
وساوس.. خوفا ألا تليق بمكانتكم الشامخة عندي..
خوفا من العودة لدوامة الكتابة والضغط والتنزيل وخصوصا أني مازلت أكتب الرواية
ولكني فوجئت بجنوني يستحكم هذا الصباح.. حاولت مقاومته كثيرا
ولكنه انتصر أجبرني أن أفتح ذراعي "بين الأمس واليوم" لكم.. علكم تفتحون أذرعتكم لها
وتحتضنونها بدفق مشاعركم وفكركم واحتواءكم
سيكون لقاءنا 3 مرات أسبوعيا صباحا مبكرا إن شاء الله
الأحد والثلاثاء والخميس
وللعلم الأجزاء طويلة لحد ما.. أي 3 أجزاء أسبوعيا توازي 7 إلى 9 أجزاء مما كنت أنزله يوميا سابقا.
ولكن هذا الأسبوع فقط ستكون لقاءاتنا مسائية
.
.
افتحوا قلوبكم الأنقى وأحضانكم الأدفأ
واستقبلوا "بين الأمس واليوم" في جزئها الأول
اللهم أعطنا من خير هذا المجلس وإكفنا شره
.
قراءة ممتعة مقدما
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
.

بين الأمس واليوم






















دروب هذه الحياة المتشابكة والمتعرجة

فوضى الأفعال والكلمات

ثــم.. طريق اللا رجوع!!!







قد تتصرف تصرفا ما.. ثم لا تستطيع التراجع عنه أو رأب صدعه

أو قد تتفوه بكلمة ما.. ثم لا تستطيع درء أوجاعها وكبت سمومها





فانتبه للقلوب التي ستطأها بقدمي أفعالك أو حروفك

فالسنوات ستمر.. وستبقى أنت وماصدر عنك من قول أو فعل مشنوقين

بين ماض لم ينته.. وحاضر مضطرب.. ومستقبل مجهول

فهل أنت مستعد لكل هذا؟!!!



قبل أربع سنوات...




"تكفى يبه.. تكفى..

طالبك طلبة.. طالبك ماتخليها تدخل ذا الكلية"





نبرة باردة صارمة تفيض صقيعا مدروسا: أظني إني عادني حي.. وشورها في يدي

وأنا قلت لها إذا جابت ذا النسبة .. بأخليها تدخل اللي هي تبي





ينهار على ركبتيه..وينكب على يد والده يقبلها.. ويهمس باستجداء موجع.. موجع حتى عنان السماء..

موجع حتى نهايات الوجع الموغلة في اليأس والألم والتشبث بمعاني رجولته البدوية الغالية:

تكفى يبه لا تخليها تفضحنا.. تكفى..

والله ماعاد أطلب منك شيء في عمري كله

بس لا تردني.. تكفى.. تكفى

طالبك يبه.. طالبك طلبة

يبه تكفى.. ما تهمك سمعتنا بين الناس؟!!















والده ينتزع يده بحدة وهو يحترق ألما لهذا الجاثي المبعثر عند قدميه.. يود أن ينتزعه من الأرض ليزرعه بين النجوم.. أن يمحي نظرة الإنكسار الذابحة في عينيه فهو الذي علمه ألا ينكسر ولا ينحني ولا يتردد..

تركه جاثيا في مكانه وابتعد عنه ليهمس بثقة صارمة.. مرعبة.. نبرة من لا يهمه في الحياة سوى قناعاته هو:

أنا ما يهمني حد

وهي بتدخل اللي تبي

ولا حدن بقاهرها وأنا رأسي يشم الهوا





كسره..

كَــسَــرَه..

كَــــــــسَــــرَه!!

كان الشرخ الأول.. والأضخم بينهما!!

كان حدثا فارقا بين أحداث فارقة مرت.. وأحداث فارقة أخرى ستمر!!

ولكنه كان وجعا صِرفا صافيا لكليهما

وإن صرّح أحدهما بوجعه حتى البكاء

وأنكره الآخر حتى النسيان!!!



















************************

قبل واحد ثلاثين عاما

عالم غير العالم

ودنيا غير الدنيا

وبشر غير البشر










بحر ممتد.. وشاطئ عذب.. وأحلام تبدأ : لـتنمو.. أو لـتُـنحر!!



يجلسان على بحر منطقة دخان.. شابان غضان.. للتو يعبران حاجز التاسعة عشر عاما

يفرق بينهم الأصل والقبيلة

ويجمع بينهما الفقر والصداقة والرجولة

الكثير منها ثلاثتها

كثيرٌ من الفقر

وكثير من الصداقة

وكثير من الرجولة!!!
















"زايد.. هونها وتهون يأخوك"



" قهرتني ياخليفة.. قهرتني"



خليفة بشبح ابتسامة: أبي أدري بس وش عايبك فيها..لسانها طويل



يبتسم زايد وهو ينظر للأفق خلف البحر الرائق: مهرة ياخليفة مهرة.. مهرة محدن عسفها



يبتسم خليفة: وانتي اللي تبّي تعسفها مع هالويه..؟؟!!



زايد يلتفت له بحدة.. ويهمس بغضب خفيض: وش فيه وجهي يابو وجه أنت؟!!



خليفة يهمس بنبرة حذر: تبي الصج وإلا ولد عمه؟!!



زايد بغضب مكتوم: خليفوه خلصني قدام أعصب



خليفة يبتسم وهو يلمس قفاه بحركة مقصودة: لا يأخوك كله ولا تعصب.. توني ماسلمت من تعصبيتك المرة اللي فاتت



زايد بذات الغضب المكتوم: تبي تقعد تغزل فيها وأسكت لك



خليفة يضحك ضحكته المجللة المغلفة بصفاء روح ما لوثتها المدنية: وأنا شعرفني إنها حبيبة القلب



زايد بغضب أكبر: هي أو غيرها.. احشم الناس اللي أنت جايهم



خليفة مازال يضحك ذات ضحكته التي تمنى زايد ألا تنطفئ من حياته يوما:

وهي ليه ماتغطي ويهها مثل باقي حريمكم.. أعرفكم تغطونهم من 12 سنة..

هذي صارت بقرة وهي كاشفة ويهها وتدور ببخنقها







زايد يلتفت ناحيته بحدة مهددة.. وخليفة يقفز ويبتعد عنه وهو يهمس بمرح: خلاص السموحة السموحة

هدي هدي خل نتفاهم

أنت الحين من جدك تبي تتزوج هالشمحوطة المزيونة اللي أطول منك يالقرد؟؟







زايد يحاول أن يهدأ: إيه.. وش فيها؟!! ولاعاد تقول المزيونة فقعت عيونك الثنتين

وقرد في عينك.. الرجال مخابر مهوب مناظر

وإلا يمكن بتقول لي مثل ماهي قالت لي.. إنه إبي كان راعي إبل عندهم قبل سنين.. وهي ماتزوج ولد الراعي







خليفة يبتسم بخبث : يمكن.. ليش لأ؟!!



زايد يعود للغضب الممزوج بكرامته المهانة هذه المرة: خليفة لا تقهرني مثلها..

أنت أكثر واحد عارف إنه إبي كان ضام حلالهم مع حلالنا.. يعني حن اللي متفضلين عليهم

لأنه إبيها جابها على كبر..وماعنده غيرها ولا يقدر على الأبل.. فأبي مساعدة منه كان مخلي حلالهم مع حلالنا

يعني سالفة الراعي ذي ما أدري من وين جابتها اللي ما تستحي؟؟









خليفة يهمس بهدوء يحاول به امتصاص غضب زايد: هذا أنت قلتها بنفسك.. يعني زود على أنها أنكرت فضلكم عليهم

تسبك وتقول ياولد الراعي.. يعني خلتكم إنكم جنتو ترعون عندهم وجنها هي بنت الشيخ

مع إن هذا موب صحيح والناس كلهم عارفين.. وش تبي فيها؟؟ هذي ناكرة يميل







زايد بألم شفاف.. شفاف.. شفاف.. مغرق في الشفافية وكأنه يحدث نفسه المتيمة في هواها:

كبرت قدام عيني.. وكل يوم يزيد غلاها.. لين ماعاد لغلاها محل

أحبها ياخليفة.. أحـــبــهــا







خليفة ببعض غضب: حبتك قرادة.. قول آمين.. خلها تولي



زايد بذات الألم الشفاف: تدري ياخليفة: لو أنا أخطبها من إبيها.. صدقني بيوافق علي على طول.. إبيها شايل همها عدا أنه يعزني واجد

تخيل إني تيك المرة يوم أنت شفتها ضربتها قدامه.. وهو ماقال شيء لأنه يدري إنها غلطانة

بس أنا كنت أبي أشوف رأيها قبل.. هذي بنية يتيمة.. وماعندها أم ترد لها الشكيا

ويمكن أحلامي صورت لي إنه يمكن في قلبها نفس اللي في قلبي

صدمتني بقسوتها.. ما تخيلتها كذا











خليفة يحاول أن يتكلم بمنطقية: زين خلنا من إنها تبيك أو ما تبيك

أنت واحد طفران.. ماعندكم إلا ذا الابل اللي أصلا كلت اللي وراكم وجدامكم





زايد بهدوء: جماعتنا كثير منهم مثلنا.. وش حن عايشين عليه إلا على ذا الابل؟!!



خليفة ينظر للبعيد: والله يازايد أنت والابل.. مثلي أنا والبحر والسمج

مالقينا فايدة.. لا تعليم تعلمنا ولا فلوس حصلنا

ثم همس بما يفكر به منذ وقت وكان ينتظر الوقت المناسب لمصارحة زايد به: زايد امش معاي للدوحة

الشباب هناك يقولون خير ربي.. الشغل وايد.. وفيه مدارس العصر

الناس كلهم راحوا للدوحة ماعاد باقي الا احنا اللي ساكنين في مناطق برع (برا) الدوحة.. وش ناطرين؟؟

خل نشتغل الصبح وندرس العصر.. وبعدين احنا درسنا عند الكتاتيب ونعرف نقرأ ونكتب زين.. يعني بنطوف لنا كم صف













زايد يهمس بخفوت كأنه يخاطب نفسه والفكرة تدخل إلى رأسه وتسيطر.. فلطالما كان ينفذ ما يقتنع به دون تردد: ليش لا..؟؟






بعد ذلك بشهرين





بيت قديم مُستأجر فيما يعرف اليوم بمنطقة الأسواق

بالقرب من سوق واقف





يدخل بتثاقل كأن أقدامه مغروسة في الأرض ..يعاني نزعها.. ليعاود غرسها مرة أخرى..

يلقي غترته على السرير الحديدي المفرد

ليلقي فوقه بأشلاء جسده الممزق ذهولا وألما

أي هم هذا؟!!

أي ألم يمزق روحه الشابة بمناجله المسمومة الصدئة؟!!











خليفة الذي كان يكتب واجبه أزاح الدفتر جانبا وهمس لزايد بقلق: زايد أشفيك؟؟



زايد يــنـــزف.. يـــنـــزف..

يشعر أنه لابد أغرق الأرض بنزيف روحه

همس وكأنه يتقيأ الوجع:







مـزنـة...... تــزوجـت





" آه يامزنة.. آآآآآآآه

أما آن لك أن تقتربي

مزنة ياحلمي الذي حلمت به حتى ملَّ الحلم مني

يا أبجديات الحلم التي ماعرفتُ يوما سواها

كيف استطعتِ أن تكوني قاسية هكذا.. ومتوحشة هكذا؟!!

أ هان عليكِ قلب زايد المتيم؟!!

أ هان عليكِ دمه المسفوح تحت قدميكِ؟!!

أ هان عليكِ أن تبعثري ما بقي من روحه المعلقة بأهداب عينيك؟!!

هل سيحبك هو كما أحبك أنا؟!!

هل ستشرق شمسه مع ابتسامتكِ؟!!

هل سيهذي باسمكِ كما أفعل؟!!
هل ستغرد روحه إن وصلت همساتكِ إلى أطراف سمعه حتى لو من بعيد؟؟
تعبت من الآهات.. تعبت
ماعادت آهات.. بل سهام تنغرز في روحي الثكلى لتبكي على مابقي من أطلالكِ
وداعا يا حلمي.. وداعا


وداعا يا مزنة !! "
























بعد أقل من عام




زايد يأخذ خليفة من عمله على سيارته الجديدة gmc موديل 1980



خليفة يلتفت له وهو يهمس بحماس حقيقي: ها بشر؟؟.. وافقت عليك ؟؟



زايد يقلب شفتيه وهو يثبت يديه على المقود ويهمس بحياد: لا



خليفة يهمس بغضب عميق: إش عندها ذي.. أرملة وعندها ولد.. لا وويه نحس بعد.. ريلها مات وهي حامل

على شنو شايفه حالها؟؟!! أنت بس اللي معطيها ويه!!

أنت الحين ماشاء الله وضعك صار زين واستأجرت بيت في الدوحة

تزوج زايد.. تزوج شيختها اللي تسواها وانساها.. هي الخسرانة









زايد يهمس بثبات وعيناه تبحران.. تبحران: ماحد عندي يسوى أم امهاب



خليفة باستغراب: نعم؟؟ شنو اسم ولدها؟؟



زايد بهدوء موجوع: امهاب اللي المفروض يكون ولدي أنا..

مُهاب على قولت مدرسين العربي.. هي اللي اختارت ذا الاسم لولدها.. من يومها وهي غير وتفكيرها غير





خليفة يبتسم: بصراحة اسم غريب وايد.. بس حلو

ثم يردف في محاولة لإبعاد زايد عن أفكاره المرة: و على طاري مدرسين العربي.. ترا المدير يقول مستوانا متقدم وايد على مستوى اللي معنا

نقدر ندرس سادس هالصيف ونطلع أول إعدادي مع فتح المدارس

وندرس ثاني اعدادي الصيف الياي












بعد عدة أشهر




صفوف مدرسة قديمة.. كانت جديدة في حينه.. شباب صغار مثقلين بالحلم يجاورهم شيوخ مثقلين بالأمل..

وشتان بين حلم باللحاق بمستقبل قبل أن يمضي

وأمل في تصحيح ماض مضى!!








خليفة وزايد يجلسان متجاورين في انتظار المدرس..زايد يتنهد ويهمس بنبرة محايدة جافة كأرض بور: خليفة أنا خلاص بأتزوج



خليفة يبتسم بسعادة حقيقية وهو يشعر بصدمة حقيقية "أ يعقل أن هذا المجنون قد شُفي من هوسه المستعصي المسمى مزنة؟!! " : وأخيرا خلصنا من خبال مزنة



زايد بابتسامة هازئة مرة.. ابتسامة أشبه بالبكاء: ماخلصنا.. هي اللي خلصت

مزنة تزوجت مرة ثانية..عيّت مني وخذت واحد مثل الأولي والله مايستاهلون ظفرها

بس شأسوي.. مالي إلا القهر!!

أنا خلاص ياخليفة بأعرس وأجيب لي بنت وأسميها مزنة.. أبي على الأقل أدعي اسمها في بيتي










" هل هذا ما أردته يا مزنة؟!!

هل هذا ما أردته؟!!

تنتقلين من أحضان رجل لأحضان آخر

لتتركي أحضاني تحتضن خيالا مرا شاردا يبعث برودة أشبه بصقيع الموت في أوصالي

ثم لتسكن هذه الأحضان المنبوذة امرأة أخرى سواكِ

يصبح أقصى أمنياتي أن تنجب هي لي مزنة..

صغيرة أهمس باسمكِ حين أناديها.. وأرى في أطيافها بعضا من أطيافكِ الهاربة"













بعد ذلك بـ 8 سنوات وقبل 22 سنة من اليوم




خليفة بابتسامة أخوية صافية: مبروك جاتك مزنة أخيرا عقب كسّاب وعلي



زايد بفرحة حقيقية وروحه تغرد.. تغرد: الله يبارك فيك

والله يافرحتي بذا البنت مثل فرحتي بعشر عيال

بس تراني ما سميتها مزنة.. سميتها مُـزُون

مابغيت أجرح مرتي إني أسمي بنتها على اسم اللي كنت أحبها حتى لو ماكانت تعرف

ومن ناحية ثانية قلت إذا دلعتها بيكون نفس دلع مزنة

أبرد قلبي شوي.. ولو أن قلبي عمره مابرد

عــمـــره مــــابـــــرد



قبل أربع سنوات من اليوم




الدوحة

منطقة رأس أبو عبود

كلية قطر لعلوم الطيران

مكتب رئيس الكلية تحديدا










يجلس خلف مكتبه العريض بطلته المهيبة وهو يرتدي لباس الطيارين المعتاد رغم أنه توقف عن قيادة الطائرات منذ سنوات

ولكنه تقليد برتوكول الطيران العتيد





يقلب الأوراق أمامه ويعيد النظر للشابة الواقفة أمامه والتي لا يظهر أي شيء منها بتاتا وهي مغطاة بشكل كامل بالسواد

وبالكاد تظهر رفات رموشها من خلف فتحات النقاب الضيقة

يهمس باحترام ممزوج بالتهذيب والحنان الأبوي: يابنتي هالتخصص ما يناسبج

أنا أقولها لج مثل بنتي









الشابة بصوت خافت فيه رنة الحياء الطبيعية ولكن يصدر معه روح ثقتها الواثقة:

هل معدلي ما يسمح؟؟





القائد يتنهد ويهتف وهو يعرف سبب سؤالها: لا.. وأنتي عارفة إنه معدلج أكثر مما يسمح بعد.. أعلى معدل بين كل الطلاب المتقدمين



بنفس الثقة الخجولة: هل فشلت في أي من اختبارات القبول التحريرية أو العملية أو حتى اختبار قمرة القيادة؟؟



يبتسم القائد: يابنتي ليش تسألين أسئلة أنتي عارفة إجابتها؟؟



الشابة بثقة: وأنت ليش تبي تثنيني عن شيء أنا قررته خلاص؟؟



القائد بابتسامة أبوية: يا بنتي أنا في مجال الطيران لي أكثر من 25 سنة وأقول لج بكل صراحة وموضوعية إنه ما ينفع لمرة اطلاقا

وخصوصا لما تكون وحدة مثلج





الشابة تتنهد: أنا أعرف إنه فيه بنات قطريات في التخصص سابقيني.. وش معنى أنا؟؟



القائد تعب من الجدال معها ولكنه هتف بثقة: هم موب مثلج.. هم وضعهم غير.. حتى أشكالهم غير.. تسمح لهم بحرية حركة أكثر



الشابة ببعض عتب: يعني عشان أنا منقبة؟؟



القائد بصراحة: ممكن يكون هذا أحد الأسباب.. الشيء الثاني أنتي معدلج عالي وايد.. وأنتي بنت زايد بن علي آل كسّاب الـ

يعني يا بنتي ماشاء الله تبارك الله أبوج ريال معروف وخيره وايد يقدر يوديج أي ديرة تدرسين اللي تبين

عدا إن معدلج إييب لج أحسن بعثة لو بغيتي







مزون بثقة: وأنا ما أبي إلا ذا التخصص





بعدها بساعة

في أروقة الكلية





مزون مع أخت صديقتها التي هي في السنة الثالثة من تخصص المراقبة الجوية

والتي ساعدت مزون على انهاء إجراءاتها

تهمس لمزون بحذر: مزون ترا للمرة الأخيرة أقول لج الفرصة قدامج تراجعين

صدقيني ماراح يمشي حالج مع شروطج

ما تبين تركبين مع الطيّار في القُمرة بروحج

ولازم المساعد الثاني يكون مرة بعد

وما تبين تسافرين لديرة غير الخليج ولا رحلة تضطرين تباتين فيها

يعني من أساسها شروط كلها ما تنفع لوحدة تبي تصير كابتن طيران

والكلية لولا واسطة أبوج الكبيرة ماكان قبلوج أساسا مع شروطج



















مزون تنظر للبعيد: أبي أسوق طيارة لو مرة وحدة في عمري.. بس مرة

وعقبها أنا بأطلب العمل مع الطواقم الأرضية أو في عمل مكتبي

لأني عارفة إنه مجال الطيران ما ينفع لوحدة مثلي لا شرعيا ولا اجتماعيا

أبي بس أحقق أمنيتي بدون ما أرتكب أي ذنب









أخت صديقتها بدهشة عميقة: تضيعين عمرج عشان أمنية غريبة مثل هذي؟!!



مزون بشبح ابتسامة: مثل قصة البنفسجة الطموح لجبران خليل جبران.. تكفيني ساعة وحدة أحقق فيها طموحي




غير بعيد منهما

شابان يقفان يهمس احدهما للآخر بخفوت: أنت عارف البنت المنقبة بنت من؟؟





الشاب الآخر بعدم اهتمام: بصراحة هيئتها مهيب هيئة بنات الكلية بالمرة

هي وش جايبها؟؟





الشاب الأول بهمس خافت: بنت زايد آل كسّاب

لا وجايبة أعلى نسبة بين المتقدمين الجدد.. وتبي تخصص قائد جوي





الشاب الآخر يلتفت للفتاة بحدة محرقة وهو ينظر لها نظرة تقيمية: من جدك؟؟

بنت زايد آل كسّاب ماغيره؟!!

ثم أردف بغضب حقيقي: اللي ضاعت علوم العرب ومراجلهم؟!!







الشاب الأول بشبح ابتسامة: يعني عشانها من جماعتك؟!!



الشاب الآخر بغضب مكتوم: على شحم ومهوب شغلك



ثم مشى باتجاهما وهو يجره معه ويهتف بصوت مسموع جمع فيه كل الاستهزاء والبرود رغم أنه كان يغلي كمرجل مشتعل تستعر ناره:

اللي رخصوا الرياجيل

إذا زايد آل كسّاب مخلي بنته تدرس مع الرياجيل عشان تدور عقبها من ديرة لديرة

وش خلو لمضيعين أصلهم؟!!

ياخسارة النقاب والأصل اللي ماعاد لهم معنى ولا حشمة!!











حينها شهقت مزون بعنف وهي تلتصق بالحائط

بينما أنعم عليها صاحب الكلمات المسمومة بنظرة احتقار

تكاد تقسم أنها شعرت أنها شطرتها شطرين.. من صدرها حتى آخر سلسلة ظهرها.. شطران متهاويان وجعا وإهانة

تجاوزها ..وهو يعلم أنها أصاب كرامتها في مقتل دون أن يهتم أو يرف له جفن

ما يهمه أنه أشفى بعضا من غضبه وغيظه حين علم أن واحدة من بنات جماعته دخلت معه إلى ذات تخصصه المرفوض بشكل قاطع لأي امرأة











همست أخت صديقتها بمساندة: ماعليج منه مزون.. هذا مُهاب معروف إنه مستحيل يخلي كلمة تقرقع ببلعومه



مزون بصوت مختنق: بس هو ما يعرفني عشان يهيني كذا

أشلون باستحمل منه كلمة ثانية يقطها علي





الشابة الأخرى بذات المساندة: إن شاء الله ما تصدفينه مرة ثانية

هذا الفصل آخر فصل له أصلا

هو ترا كبير عن كل طلبة الكلية حتى طلاب سنة رابعة هو أكبر منهم بوايد

لأنه تأخر ثلاث سنين قضاهم نقاهة من حادث

تكسّر فيه تكسير

وتوه رجع السنة اللي فاتت وخلاص هذا هو بيخلص ويروح














ولكنها لم تكن المرة الوحيدة التي تخترق مسامعها كلماته المسنونة

لم يتحادثا مطلقا وجها لوجه

ولكنه لم يترك فرصة واحدة طوال فصله الدراسي الأخير لإسماعها كلمات مغموسة بالتحقير والاستهانة وأبشع أنواع الأهانة

هكذا أراد الله أن يبتليها به

أن تُجبر على سماعه

وتجد نفسها عاجزة عن الرد أو حتى مجرد الشكوى

ابتلعت الإهانة على مضض وروحها تذوي وجعا مرا

فتجرع الإهانة دون القدرة أو الرغبة على الرد هو أشبه ما يكون بسم بطيء المفعول..

يقتلك شيئا شيئا

وفي رحلة القتل هذه لابد أن تعاني أبشع الآلالم بصمت متوحش حتى تذهب روحك إلى الفناء....


الـــفــنـــاء!!





















كانت تلك الشهور هي الأسوأ في حياتها ضمن السنوات الأسوأ التي بدأت منذ ذاك الحين

تمنت أن تقيم احتفالا حين تخرج مُهاب وغادر الكلية بعد أشهر قليلة

ولكن الاحتفال يعني فرحا من نوع ما..

وهي فقدت الإحساس بطعم الفرح الحقيقي أصلا.. فلِـمَ الاحتفال؟!!












**************************





اليوم....




ضحى يوم سبت

الجو مشبع برطوبة خانقة شعرت بها وهي تخرج من باب المطبخ الخلفي وتنزل جلالها على وجهها رغم أنها تعلم يقينا أنه يستحيل أن تصل عين متلصصة إلى عمق منزلهم ولكنها اعتادت على هذا

ومن ناحية أخرى لا تريد أن تسمع كلمة ما من والدها أو شقيقيها







"آآآآآآه " تنهدت بوجع

أي شقيقين؟؟!!

قبل أربع سنوات كان لها أبوان وشقيق واحد..

ولكن الآن هناك أب وشقيق.. وثالث ماعادت تعرف له تسمية









وصلت بعد عدة خطوات لمبتغاها

فيلا صغيرة أنيقة تقبع خلف القصر الضخم ومعه في ذات السور

دخلت دون أن تطرق الباب

ألقت بجلالها على المقعد الأقرب للباب

وهي تدلف للبهو البالغ الأناقة المؤثث بذوق أنثوي شديد الرقي

عدلت من هيئتها في مرآة المدخل

وملامحها الحزينة تنعكس على صفحة المرآة لتعكس ماهو أعمق وأكثف من جمال شديد التواضع يبدو لثقة صاحبته معدوما تماما

تنهدت.. ثم رفعت صوتها وهي تنادي بحماس رقيق: خالتي

خالتي عفرا

خالتي وينش؟؟





















خرجت عفراء من المطبخ وهي تجفف يديها وتهمس بحنان: تريقتي وإلا تريقين معي؟؟



مزون تحتضن خالتها بحب كبير وتهمس لها وهي تقبل أذنها:

أنتي عارفة إنه ريوق السبت ماله حلا إلا معش





ابتعدت مزون وهي تنظر لخالتها باستحسان: حلوة القصة عليش خالتو



عفراء تعيد شعرها خلف أذنيها وتهمس بمرح حنون: أدري



مزون تقلب شفتيها: عشتو.. صدقت أبلة عفرا العجوز



عفراء بابتسامة: عجوز في عينش.. توني 37 سنة يا كابتن مزون



مزون تضحك: ويعني 37 منتي بعجوز؟!! وبنتش اللي صار عمرها 19 نعطيها للجيران عشان ندس عمرش؟!!



عفراء تدلف إلى المطبخ ومزنة خلفها وهي تبتسم وتجيب (بعيارة): لو أني عجوز ماكان يجيني خطّاب أصغر مني



مزنة غمزت بعينها وهمست بخبث رقيق: وليش ما وافقتي على الخطيب اللي أصغر منش؟!!



عفراء تصف أواني الفطور على الطاولة الصغيرة في زواية المطبخ وهي تهمس بذات المرح: لا تستعبطين

شاب عمره 32 سنة يتزوج وحدة في عمري!!!

هذا على فرق العمر اللي يبان على المرة ومايبان على الرجّال.. بعد عشر سنين عاده في عز شبابه وأنا بأكون خلاص أقول يا الله حسن الخاتمة

هذا المسكين شيسوي.. يبي يتقرب من كسّاب ومالقى قدامه حد غير خالة كسّاب









تنهدت مزون في داخلها بحسرة وأمران موجعان يتبادران لخاطرها

أولهما كسّاب ذاته

وثانيهما أنه صديق كسّاب سيخطب خالة كسّاب ولكن هي لم ولن يخطبها أحد

فمن سيريد فتاة دميمة مثلها؟!!

بل وعلى وشك استلام عملها في مجال قيادة الطائرات!!











ولكن مزون حاولت تجاوز كل هذا.. فهذا الحزن وخصوصا مع ذكرى كسّاب ذاته شيء بات يتغلغل في روحها واُجبرت على التعايش معه

لذا همست بمرح خبيث: زين ويوم إنش ما تبين اللي أصغر منش

كان خذتي اللي أكبر منش







عفراء أنزلت الصحن الأخير على الطاولة وجلست وهي تهمس بحرج:

مزونتي قلبي.. كم مرة قلت لش لا عاد تفتحين ذا الموضوع





مزون تمد يدها لكأس الكرك الذي صبته لها خالتها وترتشف منه وتهمس بهدوء:

ولا عمرش اقنعتيني بأسبابش

أنا بصراحة ما أشوف السبب اللي خلاش ترفضين إبي عقب ماتوفت أمي







عفراء تقضم طرف قطعة الخبز وتهمس بمودة: خلاص هذا موضوع انتهى من سنين

وأنا خلاص خلصت من العرس كله.. ما تزوجت وبنتي صغيرة

أتزوج الحين عقب ماصارت هي عروس







ثم أردفت بحزن عميق وكلمة عروس تقلب الكثير من المواجع:

أنتي عارفة إنها كانت قبل مرضها ذا تخطب مني.. لكن الحين ؟!!

الله يشفيها لي بس







مزون أنزلت اللقمة التي كانت على وشك تناولها لأنها خشيت أن تغص بها وهي تهمس بحزن مختنق:

خالتي والله حرام تخلين جميلة على ذا الحال

سافري فيها مع كسّاب وإلا علي

هذا هم اثنينتهم يحنون عليش









عفراء تنهدت بحزن: يا قلبي يا مزون.. جميلة ما عاد هي بصغيرة.. صارت مرة

ولا علي ولا كسّاب حلال عليها يكشفونها

لو كان مرضها غير ذا المرض كان قلت عادي أنا معها

لكن هي الحين حتى ما تقدر تغطي وجهها ولا حتى فيها حيل تغطي أي جزء ينكشف من جسمها

الشيء الثاني.. أنا أملي بالله كبير إنها تتحسن إن شاء الله











مزون تعلم أن هذه الأسباب وإن كانت من ضمن الأسباب إلا أنها ليست كلها!!..

لذا صمتت وهي تقف ثم تهمس بحنين: زين أنا بأروح أطل عليها.. بتوعى فيني؟!!





عفراء وقفت معها: أصلا هي واعية.. أنا طليت عليها قبل شوي..

عصبت علي وعصبت عليها عشان الريوق





الاثنتان تتجهان للأعلى ومزون تهمس: زين والجامعة بترجع الفصل الجاي وإلا لأ؟!!



عفراء بألم عميق: قولي إن شاء الله..



مزون تحاول تغيير دفة الحديث من أجل الحزن الذي فاض من عيني خالتها: والمدرسة وش أخبارها؟؟



عفراء بسخرية مرة: لا تسألين لأنه هذي ماعادت دراسة ولا مدارس.. هذي مأساة من مآسي ذا الزمان

خلينا من ذا الموضوع الغثيث الحين.. وصلنا غرفة جميلة







*****************************





قلب الدوحة

ذات ضحى السبت

بالقرب من شارع حمد الكبير المعروف بـ"شارع البنوك"








يوقف سيارته في موقفه الخاص

ويصعد إلى مبنى شركته الصغيرة الأنيقة التي تحمل في كل جنباتها رائحة ذوقه وطرازه.. وحتى جموده!!





يخلع نظارته الشمسية وهو يدلف من الباب الزجاجي الضخم لتبرز عيناه المتيقظتان كعيني والده تماما

هاتان العينان هما الشيء الوحيد الذي ورثه من والده

وفي بقية ملامحه كان شيئا مختلفا..

ملامح حادة مرسومة بدقة.. توحي بحنان مندثر أصبح ذكرى منقرضة

جسد استثنائي التكوين بعضلات نافرة متحفزة تظهر بوضوح بارز تحت الانسياب الأنيق لثوبه الأبيض.. عضلات لم تكن موجودة مطلقا قبل أربع سنوات..

فلو لم يفرغ كل طاقة غضبه حينها في رفع الأثقال يوميا حتى كان يوشك على الانهيار من التعب في نهاية اليوم

أو ربما كان انهار وقتها من الغضب والحقد والخزي والانكسار!!!

ثم بعد ذلك بأشهر.. سفره الغامض الذي استغرق عاما.. عاد بعده بشهادة الماجستير

وعاد كذلك -ويالا غرابة التغيير الجذري- ببنية جسدية مفرطة في القوة لدرجة مرعبة.. وروح مغرقة في القسوة لدرجة أكثر رعبا!!




















وصل لمكتبه

ألقى سلاما باردا على سكرتيره

ثم دلف إلى مكتبه

لحق به سكرتيره وهو يضع ملف المراسلات أمامه ويهمس باحترام مهني:

سكرتير عمي زايد اتصل ويقول عمي أبو كسّاب يبيك تمر عليه











التفت له بحدة وهو ينظر له بقسوة متوحشة: نعم وش قلت؟؟



ابتلع السكرتير ريقه.. فهو يعرف هذه النظرة وليس مستعدا لتبعاتها التي يعرفها جيدا: فيه شيء طال عمرك؟!



همس بنبرة محرقة: أظني في ذا الشركة مالك إلا عم واحد هو.. أنـــــا..

مفهوم؟!!!





السكرتير يتراجع وهو يحاول الخروج بأقل الخسائر: أكيد طال عمرك.. أكيد



خرج السكرتير

بينما عاد هو لإرخاء جسده المتصلب

الحالة التي لا بد أن تصيبه كلما سمع اسم والده

لماذا رباه على كل هذا الاعتزاز والحمية والأنفه إن كان هو من سيكسره في النهاية؟؟

لـمـاذا؟!!

لـــمـــاذا؟!!

يحاول أن يتناسى الذكرى الموجعة التي تأبى الانزياح

همسات الرجال المحتقرة في المجالس (هذا اللي أخته العوبا تدرس طيران)

اضطراره لبدء حياة جديدة ابتعد فيها عن كل أصدقائه القدامى.. وأغرق نفسه في العمل

حصر علاقاته في علاقات العمل فقط

وغلف روحه بكل البرود والجمود الممكنين
حتى يستطيع التعايش مع هذا الخزي الموجع كما يراه هو
لولا خشيته من فضيحة أخرى أو كان ترك بيت والده وسكن في مكان آخر
وهاهو يعيش معهم بالاسم فقط.. بينما هو بعيد.. بعيد
بــــعـــــــيـــد جدا!!!

أو..... ربما يظن نفسه كذلك!!!
























************************







مزون تنزل الدرج وهي تمسح دموعا لا تريد أن تراها خالتها

رغم أنها تطل على ابنة خالتها كل يوم ولكنها كانت تجدها غالبا نائمة

اليوم كانت مستيقظة.... بدت لها غاية في الضعف

وجهها الذي كان في مضى غاية في الرقة والعذوبة كان اليوم خاليا من الحياة وعظام خديها تكاد تبرز من وجنتيها

عيناها غائرتان في فجوتين من هالات سوداء مرعبة أخفت حسنا كان لا يخفى..

شفتاها مشققتان جافتان على طرفيهما بقايا دم متخثر بعد أن كانتا أشبه في توردهما بفاكهة صيف ندية

اخضرار عروقها كان يعبر بوضوح مساحات قاحلة من ضمور جسدها المتهالك

فجوات كثيرة برزت في مفارق شعرها بعد أن تساقط الكثير من شعرها الذي كان رائعا بكثافته ونعومته


















مزون جلست في الصالة السفلية وهي تخفي آثار دموعها

تبعتها خالتها بعد دقائق بعد معركة أخرى مع ابنتها جميلة

جلست الخالة وهي تنتفض غضبا:جننتني.. جننتني.. مارضت تأكل شيء.. وفي الأخير غصبتها على لقمتين







مزون بمساندة: هدي خالتي.. هدي.. أنتي عارفة إنها تصير عنيدة في موضوع الأكل



انتقلت عفراء من النقيض للنقيض من الغضب العارم للحزن المقيم وهي تهمس بوجع مستشرٍ:

مزون أنا صايرة عايشة في رعب إني بجي أصيحها يوم بألاقيها جثة

أنا الحين ماعاد أقدر أنام وأنا كل شوي أحط يدي على قلبها عشان أتأكد من دقات قلبها

وأحطها قدام خشمها عشان أتاكد إنها تتنفس









انتفضت مزون بجزع: بسم الله عليها خالتي.. لا تفاولين عليها



همست عفراء بألم عميق.. عميق: الله يخليها لي



مزون تقترب من خالتها وتحتضن خصرها وهي تهمس بمرح مصطنع لإبعاد خالتها عن التفكير المؤلم:

يعني أنا ما يخليني لش؟!!





عفراء احتضنت مزون وهي تهمس بحنان: أنتي عارفة إنه كلكم أنتي وجميلة وكسّاب وعلي كلكم عيالي وغلاكم واحد

مزون همست بخفوت وهي تبتعد عن خالتها قليلا: خالتي كسّاب أشلونه؟؟

ما يقول لش إنه يبي يتزوج؟؟ بأموت نفسي أشوف عياله هو بالذات





عفراء ابتسمت وهي تقرص خدها بحنان: وعلي المسيكين.. ماتبين تشوفين عياله يعني؟!!



مزون همست بألم: أقول يمكن كسّاب لو تزوج وجاب عيال.. يطلعون حنانه

ويرجع كسّاب القديم

يا الله يا خالتي وش كثر مشتاقة له

أربع سنين مروا مايقول لي الا كلمتين كل كم شهر









صمتت خالتها.. فهي في هذا الموضوع بالذات تقف على الحياد ولأسباب كثيرة!!



أكملت مزون بذات الألم: الله يأخذ ذا الدراسة اللي بعدته عني

والله لو دريت إن ذا كله بيصير إني ما أدخل ذا التخصص

وليتني قعدت على اقتناعي حتى

يالله يا خالتي وش كثر ندمانة !!









خالتها بمؤازرة: خلاص يا بنتي اللي راح راح



مزون بألم أكبر: أنتي عارفة ياخالتي إني بعد شهر واحد بس.. كنت أبي أطلع من الكلية عشان كسّاب واللي شفته صار له

ما توقعت إن كسّاب بيتأثر بذا الطريقة.. قلت بيعند أسبوع وإلا أسبوعين ويتقبل الموضوع وتمشي السالفة

ما توقعت حياتنا تتعقد كذا بسبت دراستي..جيت بأطلع عشانه لكن إبي حلف علي

تدرين خالتي واحنا بزران كل طفل دايم يحلم حلم مجنون.. إنه بيكون رائد فضاء مثلا

مشكلتي إني حلمت حلم غير معقول كان المفروض إنه ما يتحقق.. لكن لاني بنت زايد آل كسّاب.. الحلم تحقق

جيت بأتراجع عنه.. زايد ما خلاني..

والله العظيم لو خيروني بين كسّاب وكل تخصصات الدنيا.. كفة كسّاب ترجح

كسّاب ماكان إخي بس.. كان إبي وأمي

من عقب ذا التخصص لا بارك الله فيه.. الكل تغير.. وحياتنا كلها تغيرت



















حينها ماعادت تحتمل.. ماعادت تحتمل

انخرطت في بكاء حاد موجع..فمشاعرها كانت مستنزفة تماما

ابنة خالتها أولا..ثم موضوع كسّاب ثانياً

خالتها انتفضت بجزع وهي تحتضنها بحنو وتهدئها:

بس يا قلبي.. بس

تراني ماني بمستحملة.. لا تبكين...أخورها الحين معش


قبل 17 عاما




يجلس على سريرها منحنيا عليها بجذعه النحيل.. يمسح على رأسها الصغير الذي أرخته على ساقيه الهزيلتين اللتين تصلبتا من الألم لطول ما طواهما تحته

تأخر الوقت.. ونامت الصغيرة.. والألم في ساقيه يتزايد ولكنه يتحامل على نفسه

وهو يحاول احتمال الألم الذي يزيد عن طاقة احتمال طفل في الثانية عشرة بكثير

كان لا يريد سحب قدميه من تحتها خوفا أن تصحو من نومها..

فهي نامت للتو بعد ساعات طويلة من البكاء والسؤال الذي لم يتوقف عن والدتها











تطل عليهما بوجهها المتورم من البكاء وعينيها الذابلتين بعد أن ذهبت آخر المعزيات.. لينقلب إرهاق وجهها الحزين إلى صدمة ألم وهي تقترب من الجسدين الصغيرين:

كساب حبيبي أنت على قعدتك ذي من عقب المغرب؟؟





كساب برجاء طفولي: تكفين خالتي قصري صوتش مابغت تنام.. قطعت قلبي من كثر ماسألت على أمي



عفراء تمد يديها لترفع مزون عن ساقيه.. ويشير كساب الصغير بيديه لا:

تكفين خالتي خليها.. إذا قامت وما لقتني بتبكي





عفراء ترفعها بحنو وتضعها على سريرها وهي تهمس له بحنان موجوع: جعل مزون ما تذوق حزنك ياقلبي

قوم يأمك تعشى وعقبه كلنا بنام عندها..





يحاول كساب الوقوف ليتهاوى ساقطا من ألم ساقيه المتصلبتين.. تنحني عليه عفراء بجزع لتجلس جواره على الأرض وهي تمسك به بحنو: وش فيك ؟؟



يهمس بألم وهو يحاول منع دموعه من الانحدار: أرجيلي توجعني..



حينها لم تستطع عفراء منع نفسها من الانفجار في بكاء جنائزي مكتوم وهي تحتضن كساب بكل قوتها

فكساب بالذات طوال اليومين الماضيين كان هو من يثير أقسى أوجاعها.. بين إدعاء رجولة مبكرة وهو يتلقى مع والده التعازي في وفاة أمه

وبين دور أمومة جديد وزعه بين علي ومزون وخصوصا مع مزون التي بدأ بقضاء أكثر وقته معها حين رأى سؤالها الدائم عن أمها

وهو في كل هذا يستهلك طاقة جسده الصغير.. ويمنع نفسه من الانهيار في حزنه الطفولي اليائس

كانت تعلم أنه أكثرهم حزنا وإن أخفى حزنه ودموعه.. فهو ابن وسمية البكر.. وللبكر دائما قربا خاصا من روح والدته.. وبينما خيط تواصل عصي على التفسير

وهو كان من قضى معها الوقت الأطول.. وهو الأكبر سنا والاكثر استيعابا بين أشقائه.. يعرف معني اليتم وكيف ستكون الحياة مرة قاسية بدونها.. لذا هو من سيحس فعلا بمرارة فقدها وخلاء المكان والروح بعدها













سالت دموعه بصمت في حضن خالته.. وشعرت عفراء أن البلل الذي بدا يغرق صدرها.. كما لو كان يغرق روحها في دوامات عاتية من حزن أسود سرمدي

همست عفراء بحنو ذائب وهي تمسح على خصلات شعره الناعمة: أنا بأشلك حبيبي وأنزلك تحت تتعشا





حينها تصلب جسده وهمس بصوت مبحوح حاول أن يخفي رنة البكاء فيه وهو يصرخ مستنكرا: تشليني؟؟ ليه أنا عويق؟؟

ثم أردف بثبات: دقيقة وأقوم معش.. بس ما أبي عشا

أبي أروح أشوف عليان تعشى وإلا لأ







همست عفراء بحنان: عليان تعشا وراح مع أبيك لغرفته.. وأنت لو ما تعشيت والله لا أزعل عليك

ثم أردفت بحنان أرق وهي تنزل نقابها المرفوع فوق رأسها على وجهها:

أمش أنا وياك نتعشى ونعشي جميلة.. خليتها تحت تبكي عند الخدامة









************************





سويسرا

مدينة جنيف حيث المقر الدائم للأمم المتحدة

توقيت أبكر بساعتين









يصحو من نومه ويتجه للحمام ليغتسل ويتوضأ ليصلي ضحاه

اليوم إجازة لكل منسوبي القنصلية وهو ومن ضمنهم

ينظر في المرآة الطويلة لانعكاس صورته.. لوجهه الطفولي النحيل

لطالما كان في شكله مناقضا لشكل كسّاب

كان أطول من كسّاب وأنحف وأكثر وسامة..ولكن ملامحه فيها طفولة غريبة على عكس ملامح كسّاب المثقلة بالرجولة

يبدو للرائي كما لو كان في السادسة عشرة مع عارضه الخفيف ونظرة البراءة المتلألة في عينيه الواسعتين رغم أنه يعبر أبواب السادسة والعشرين

وعلى طرف الطباع كان دائما أكثر هدوءا واتزانا وعمقا من كسّاب المشتعل الصاخب

كانا على طرفي نقيض شكلا ومضمونا

















حينما أنهى صلاته.. تناول هاتفه ليتصل

حينما وصله الصوت الفخم على الطرف الثاني همس باحترام حماسي:

حيا الله أبو كسّاب

ها.. تجيني وإلا أجيك ذا الصيفية؟!!!











*****************************






مزون تمد يدها لكأس الماء أمامها ترتشف منه وتهمس بشفافية: بس جد خالتي ماشاء الله عليه كسّاب

شاب مثله وشركته مالها ثلاث سنين.. صارت محققة ذا النجاح كله.. وباعتماده على نفسه





حينها ضحكت عفراء ضحكة قصيرة: ليه أنتي صدقتي التمثيلية ذي؟؟



مزون باستغراب: أي تمثيلية؟!!



عفراء بابتسامة: أنه كسّاب حقق ذا النجاح كله بروحه بدون مساعدة



مزون بتساؤل مدهوش: أجل؟؟



عفراء بذات الابتسامة: حبيبتي كسّاب نجح لأنه ولد زايد.. حتى لو كان يوم سوى شركته سواها من ورثه من أمه وماخذ من زايد ريال واحد

فلمعلوماتش ولو ما كنتي تعرفين.. زايد كان يدفع من عنده الفرق عشان الشركات تعطي مشاريعها لشركة كسّاب اللي كانت شركة صغيرة جدا ومهيب معروفة

حتى في المواد الأولية اللي كان يشتريها.. زايد يطلب منهم يعطونها كسّاب بأقل من سعرها وهو يدفع الباقي

لحد ما وقفت شركة كسّاب على أرجيلها خلال فترة قياسية مستحيلة لولد في عمره وشركة في إمكانية شركته اللي كانت بدون امكانيات اساسا









مزون بدهشة عميقة: وأنتي اشدراش؟؟



عفراء هزت كتفيها: لي مصادري.. والمهم إن كسّاب مايدري عن شيء من ذا الكلام

ما نبي نكسر اعتزازه بنفسه وفرحته بنجاح شركته واعتماده على نفسه





مزون بثقة رغم عجزها عن تصديق كل هذا: أكيد خالتي

ثم اردفت بحنان عميق: فديت أبي ياناس.. نعنبو لايمني في حبه

ثم أردفت بحماس: بس والله إن زايد مخ.. شوفي إبي مامعه إلا ثانوية وكسّاب معه ماجستير إدارة أعمال

ومع كذا شوفي أشلون إبي حقق ذا النجاح كله باعتماده على روحه بس.









عفراء تبتسم: إبيش ماشاء الله مخه نظيف.. وعنده حاسة اقتصادية عجيبة

والشيء الثاني ترا إبيش يوم بدا شغله بدا برأس مال مهوب شوي

يعني زايد باع أكثر نصيبه من إبل أبيه اللي كانت كلها من الابل الطيبة وجابت له مبلغ مهوب بسيط أبد







ضحكت مزون: بس عقب سنين رجع واشتراهم..



ضحكت عفراء: البدوي أعز ماعليه حلاله.. غلاها من غلا عياله..

تدرين وسمية الله يرحمها كانت تقول إنه تيك السنين كان مثل اللي مضيع له شيء وفيه حزن لين رجعهم





مزون بحنين وحزن: الله يرحم أمي.. مالحقت أعيش حنانها ..

ثم أردفت بحب غامر وهي تضع رأسها على كتف خالتها: والله يخلي اللي ماخلتني أحس بغياب أمي وكانت هي أمي وأعز..





عفراء بتأثر: أنتو وصات وسمية الغالية لي.. والله لو تبون عيوني ماغلت عليكم..



مزق أجواء حديثهما المنسجم صراخ الخادمة من الأعلى: مـــامـــا مـــامـــا

تعالي شوفي جميلة





عفراء قفزت وهي تتعثر برعبها وجزعها على صغيرتها وهي تركض صاعدة للأعلى ومزون تجاوزتها لتركض أمامها

حين دخلتا وجدتا الخادمة تحاول رفع جميلة عن أرضية الحمام

حينها انخرطت عفراء في بكاء هستيري: شفتي يا مزون شفتي!!

راحت ترجع اللقمتين اللي غصبتها عليهم

شفتي!! شفتي!! تبي تموت ذا البنت!! تبي تموت











مزون همست بتهدئة وثبات وهي تقترب من جميلة: هدي خالتي فديتش.. مافيها إلا العافية وأظني صرتي متعودة على كذا



كانت مزون تحاول التجلد وهي تمسح وجه جميلة وتنظفه ثم تحملها بخفة كما لو كانت تحمل طفلا

فكل ما بقي من عود جميلة الريان هو وزن طفل في السابعة من عمره

حوالي 28 كيلوجراما مازالت في تناقص

كل مابقي من ذلك الجمال الملائكي العذب هو خيال شاحب لمومياء توشك على مغادرة الحياة..

عروق بارزة وعظام ناحلة وجسد خالٍ من كل معالم الحياة











مزون وضعت جميلة على سريرها ثم همست في أذنها: جميلة حرام عليش اللي تسوينه في نفسش وفي أمش



جميلة أدارت جسدها الجاف كغصن ذاوٍ..وهي تهمس بصوتها المختنق الضعيف الذابل:

تكفين مزون اخذي أمي وخلوني في حالي







*************************





الدوحة

منطقة الأبراج بالقرب من الكورنيش

مقر مؤسسة ضخمة من أكبر مؤسسات قطر تضم تحت لوائها عدة شركات وتحتل بمجمل شركاتها برجا ضخما







الطابق الأخير من البرج




مكتبه الضخم البالغ أقصى حدود الفخامة والأناقة

يراجع عدة أوراق أمامه.. بحسه المتيقظ دوما.. لا يمكن أن تفوته صغيرة ولا كبيرة..

ذكاءه الفطري متحفز دوما.. وهاهي شركاته تمر بمرحلتها الذهبية التي صنعها هو أولا وأخيرا

طلته مهيبة رغم أنه للقصر أقرب.. وكأنه بهذا يلغي مقولة عاشت في الأذهان وتجذرت "الطول هيبة"

غزت الشعيرات البيضاء رأسه ولكن عارضيه مازالا يقاومان الغزو الأبيض مع شدة سوادهما

رن هاتفه.. رأى الاسم وابتسم...كم اشتاق لهذا الفتى الغائب!!

مع علي يشعر براحة عميقة..فلهذا الفتى قدرة هائلة على الاحتواء

معه لا يشعر بتحفز كسّاب ولا حزن مزون

بات عاجزا عن تفهم الشابين اللذين يساكنونه...ويشتاق لهذا الساكن بعيدا عن حناياه

يشتاق لعلي الذي كان يفهمه بدون لغة الكلمات الممجوجة

حينما كان أولاده صغارا..كان ارتباط كسّاب ومزون ببعضهما أكبر
بينما علي كان مرتبطا به هو..رغم مشاغل زايد المتعددة كان دائما ملتصقا به
ومع ذلك كان علي بعد كل هذا من أصرَّ على الابتعاد والعمل في وزارة الخارجية


رغم رفض زايد لعمله الذي أجبره على التنقل من بلد إلى بلد منذ التحاقه به منذ أربع سنوات





















"هل أردت أن تهرب من أحضاني يا علي؟!!

أفقد الولدين وفي وقت واحد!!

كسّاب فقدته وهو يسكن معي في بيت واحد..وعلي فقدته بالبعد

وحتى مزون ماعادت مزونا..حزن عميق يغلف نظرة عينيها الغالية

مابهم أولادي؟!!

ما بهم؟!!"













أشجانه طاردته مع اسم علي المضيء على الشاشة

فتح الاتصال وهمس بصوته الثقيل العميق الموغل في الفخامة.. صوت من اعتاد أن يأمر فيُطاع:

هلا والله إني صادق!!







صوته المرح العميق: حيا الله أبو كسّاب.. تجيني ذا الصيفية وإلا أجيك؟!!



ابتسم بذات الفخامة: إلا تجيني أنت و أنت سنافي ونشمي..

ولو أنك تخليني أكلم الوزارة كان ريحتك من ذا الشحططة من ديرة لديرة..وتقعد في الدوحة





يبتسم علي: أنا مرتاح كذا



تنهد زايد في أعماقه بحرارة

لا يريد أن يستجديه.. رغم أنه يتمنى أن يستجديه..ويستجديه ويستجديه

يستنزفه الاشتياق له

فمهما يكن هو أب وهذا صغيره

أتعبه هذا الاشتياق وهذا البعد الذي بات يحيط بروحه إحاطة السوار بالمعصم











همس زايد بهدوء حازم: جعلك مرتاح دوم

ثم أردف: وها متى جاينا إن شاء الله؟!!





علي باحترام ودود: شهر شهرين.. في ذا الحروة



زايد بجزع لم يظهر في صوته الثقيل: ياكبرها عند الله يأبيك..قد لي 3 شهور ما شفتك



علي بمودة: سيّر عليّ جعلني فدا عينك



زايد يتذكر شيئا ثم يهمس بحزم أبوي: أنا الأسبوع الجاي عندي سفرة لفرنسا

تعال لي أنت هناك





علي بحماس: من جدك؟!!

أبشر.. أبشر أنا اللي باستقبلك في المطار.. بتلاقيني بايت في ديغول من قبلها بليلة





زايد بذات الحزم الأبوي: لا لا تعطل شغلك.. تعال لي في الويكند حقك المهم أشوفك..



علي برجاء لطيف: يبه تكفى جيب مزون معك.. هي قالت لي أمس إنها خلصت امتحاناتها خلاص



زايد يبتسم: أنت عارف إن مزون مستحيل تطلع من الدوحة وكسّاب وراها.. تقول أخاف يحتاج شيء



علي بألم لم يظهر في صوته: ويعني لو أحتاج بيطلب منها أو من غيرها؟!!



زايد بذات طريقة الرد ..الألم المختبئ خلف حزم صوته: المهم هي مرتاحة كذا





***************************





بيت زايد آل كسّاب

أروقة الطابق العلوي الشاسعة والممتدة

الساعة الحادية عشرة ليلا








تقف أمام باب غرفته منذ أكثر من عشر دقائق

ليست المرة الأولى التي تدخل غرفته حتى تعاني هذا التردد الذي يقتلها

فهي تدخل غرفته بشكل يومي

فهي لا ترضى أن ترتبن الخادمات ملابسه أو ملابس علي أو والدها.. فهي من اعتادت على فعل هذه المهمة يوميا...ولكنها كانت ترتب في غرفة خاليا من حضوره

مرت أشهر متطاولة لم يتبادلا فيها حوارا بالمعنى المفهوم للحوار

فكيف بهذا الموضوع الذي جاءته به الليلة؟!!













تنهدت بعمق وهي تستجمع كل قواها الخائرة وكل ثقتها التي توشك على الهرب خوفا من سطوة كسّاب

كساب منذ مراهقته المبكرة وهو حاد الطباع وسريع الغضب.. ولكن شتان بين حدة الطباع مع طيبة قلبه البالغة سابقا.. وحدة الطباع مع شخصيته القاسية المتحفزة الجديدة التي برزت في السنوات الأخيرة





طرقت الباب

وصلها صوته الحازم فيه رنة غضب " نعم؟؟"





ابتلعت ريقها وكانت على وشك الهرب من أمام الباب لولا أنها فُجعت بالباب يُفتح وكسّاب يقف أمامها في فرجة الباب المفتوح بكامل اتساعه

لا ينكر أنه تفاجأ أن تكون هي الطارقة

ولكن تفاجئه لم يظهر لصوته الحازم البارد: "نعم؟!!"







مزون تبتلع ريقها: ممكن أتكلم معك شوي؟!!



همس بذات الصوت البارد الحازم: آسف ماعندي وقت



ثم أغلق الباب في وجهها بصوت مسموع..

وقفت مصدومة لثوانٍ.. ولكن صدمتها تبددت قسرا

فليس هذا أسوأ ما قد يفعله تجاهها!!

فطوال السنوات الماضية مارس ضدها صنوفا مختلفة من التجاهل الموجع

وحين يقرر بعد أشهر أن يخترق أسوار التجاهل ليشعرها أنها قد تكون مخلوق مرئي يسكن على مقربة منه

يكون اختراقه للتجاهل أكثر قسوة من تجاهله.. كلمات جارحة قاسية حادة وقصيرة.. لكن أثرها عميق.. متوحش.. وطويل.. طــويـــل !!














تنهدت وهي تقوم بمحاولة جنونية لم تقم بمثلها مطلقا

فالموضوع الذي تريد محادثته فيه لا يحتمل التأجيل





لذا فتحت الباب ودلفت للداخل..ام تجده في الصالة حيث توقعت أن تجده

فتجاوزت صالته لغرفة نومه بخطوات مترددة وجلة وهي تدفع كل القوة في عروقها المتهاوية وجلا

كان يتمدد على سريره ويقرأ كتابا

حين رأها دخلت.. قفز وهو يهتف بغضب حقيقي: أشلون تجرأين وتسوين كذا؟!!









حاولت أن تهمس بهدوء واثق مصطنع: فيه موضوع مهم أبيك فيه



كسّاب بذات الغضب المحرق: صدق مافي وجهش سحا

بس وش نتوقع مع وحدة تدرس مع الرياجيل كتف بكتف؟!!

وبكرة بتروح تهيت من ديرة لديرة..

إذا جا العيب من أهل العيب ما يكون عيب









شهقت بعنف..شعرت أنها عاجزة عن التنفس..

كانت طعنته مؤلمة.. مؤلمة حقا!!

تكاد تقسم أنها شعرت بملمس نصل طعنته وهي تخترق لحمها بقسوة ثم تشعر بدمها يفور ويتدفق لزجا ساخنا ملتهبا

ولكنها لم تعلم أنه بطعنته آلم نفسه قبل أن يؤلمها.. ونصل طعنته انغرس في روحه المثقلة الموجوعة

وكلماته جرحت رجولته قبل أن تمزق بقايا أنوثتها











تنهدت بعمق موجوع..

التحسس من هذا الموضوع بات ترفا ماعاد يليق بها

ولكن ماذا تفعل.. لا تستطيع منع نفسها من الاحساس بكل هذا الألم

ولكن بما أنها الآن تتألم.. ويستحيل أن تتألم أكثر من هذا

فلن تسمح له أن يثينها عما جاءت من أجله

همست بهدوء كانت روحها تتمزق خلف متاريسه: ماني برادة عليك

تدري ليش؟!!

لأني شعرة من شعر وجهك

هيني.. هيني مثل ماتبي.. لأنك بتهين نفسك معي منتدى ليلاس الثقافي



















أصابته في الصميم

الـــصـــمـــيم

هذا وهي لا تريد الرد عليه فكيف لو كانت سترد؟!!







تقلصت قبضته التي كان يكورها ويعتصرها بينما أكملت مزون حديثها وهي تهمس بذات الثقة:

أنا أدري إني ما أهمك في شيء..وأنا ماني بجاية عشان موضوع يخصني

أنا جايه عشان خالتي عفرا..وأدري إن خالتي لها معزة كبيرة عندك







قاطعها كسّاب بحدة: خالتي عفرا طيبة وبخير وتوني مكلمها

ووريني عرض مقفاش الحين





لم تهتم لطرده له وأكملت: وبنتها بعد طيبة وبخير؟!!



بذات النبرة الحادة: والله بنتها اللي جابت ذا كله لنفسها



شهقت مزون: يعني عاجبك حالها؟!!



عاد كسّاب للجلوس على السرير وهو يهمس ببرود: على قولت الشوام.. اللي من إيده الله يزيده



شهقت مزون بعنف أكبر: حرام عليك



حينها التفت لها كسّاب بحدة: واللي تسويه هي في نفسها مهوب حرام

تدرين بنت خالتش هذي لو ماتت بتكون من أهل جهنم والعياذ بالله





انتفضت مزون بجزع كاسح: أعوذ بالله.. أعوذ بالله.. استغفر ربك.. استغفر ربك



كسّاب يرفع حاجبا وينزل الآخر: بنت خالتش لو ماتت بتكون منتحرة

والمنتحر وش مصيره عند ربه؟!!





مزون بدأ صوتها بالاهتزاز: حرام عليك.. هذي وحدة مريضة



كسّاب بسخرية: مريضة؟؟

هذا والله مرض البطرة!!

جميلة عشان الله رزقها شوي صحة وجمال.. ماقالت الحمدلله على النعمة.. تبطرت

لو عرفت وش معنى إنها تشتهي الأكل ولا تلاقيه؟؟

لو عاشت في فقر وحاجة؟!!

لو حتى بس شافت الأخبار وشافت الناس اللي عايشين في المجاعات كان عرفت قيمة النعمة اللي كانت فيها قبل تضيع من يدها













مزون بصوت مختنق: حرام عليك كسّاب.. مرض فقدان الشهية مرض نفسي في المقام الأول



كسّاب بذات السخرية:نفسي؟!! حلوة ذي!!

وويش كان سبب المرض النفسي على قولتش في البداية؟!!

لإنها كانت تبي تضعف مع أنها ما كانت متينة أساسا..







مزون بارتجاف: لا مهوب كذا ..وهذا مهوب موضوعنا.. أنت ماتبي تساعدها؟!!



كسّاب بثقة حازمة: أنا عشان خالتي عفرا مستعد أسوي أي شيء

لكن جميلة ما تستاهل

وأظني أني أكثر من مرة قلت لخالتي خل نسفرها برا هي اللي عيت

وخالتي ما تبي وسيط بيني وبينها

عشان كذا اقصري الحكي اللي طال أكثر من اللازم.. وهوينا

ماني بطايق شوفتش قدامي













مزون تنهدت بعمق أكبر والكلمات تخرج من بين شفتيها مرتجفة متقطعة خائفة:

كـــسّـــاب

تكفى عشان خالتي اللي غلاها عندنا كلنا مثل غلا أمي

تكفى...تزوج جميلة.. تكفى










#أنفاس_قطر#

.

.

.

مابعد انتهت عايلة زايد.. باقي واحد ..شخصية مثيرة جدا

بنتعرف عليها بعدين

الحين خطرت ببالي قضية جدل طريفة جدا

هذا الجزء قبل تنزيله قرأه شخصين

أختي الصغيرة وبنت خالتي خوخة

غزالتي الصغيرة على طول ربطت إنه قصة حب بتصير بين مزون ومهاب.. معركة وبعدين حب على طريقة الأفلام الهندية

خوخة قالت مستحيل.. لأنه قالت هذا توقع ظاهر جدا ومستحيل أني أجيبه بهالطريقة المكشوفة ومن أول القصة كذا
نشوف أرائكم ولو أنه هذا كلام سابق لأوانه بكثير.. بس حبيت أحطكم في صورة المعركة اللي صارت بينهم
وعلى فكرة هذا أول وأخر جزء يقرونه قبلكم!!
.
همسة: اشتقت لكم والله العظيم بشكل ما تتخيلونه
.

بين الأمس واليوم / الجزء الثاني




كسّاب بثقة حازمة: أنا عشان خالتي عفرا مستعد أسوي أي شيء
لكن جميلة ما تستاهل
وأظني أني أكثر من مرة قلت لخالتي خل نسفرها برا هي اللي عيت
وخالتي ما تبي وسيط بيني وبينها
عشان كذا اقصري الحكي اللي طال أكثر من اللازم.. وهوينا
ماني بطايق شوفتش قدامي

مزون تنهدت بعمق أكبر والكلمات تخرج من بين شفتيها مرتجفة متقطعة خائفة:
كـــسّـــاب
تكفى عشان خالتي اللي غلاها عندنا كلنا مثل غلا أمي
تكفى...تزوج جميلة.. تكفى

حينها التفت كسّاب لها بحدة.. وهو يقول لها بقسوة من بين أسنانه: نعم؟؟ عيدي ما سمعتش عدل

تراجعت مزون خطوتين وهمست باختناق: تكفى كسّاب.. البنت بتموت
وأنت عارف إن خالتي مستحية وماتبي تثقل على حد عدا أنها مستحرمة سفر جميلة مع حد منكم

كسّاب تنهد بعمق في داخله ثم جلس على سريره وهمس ببرود: أظني الكلام بيننا انتهى
وأتمنى ما تشرفيني بذا الزيارة مرة ثانية

حينها جثت مزون على ركبتيها لتجلس على الأرض جواره وتناولت كفه تقبلها باستجداء محزن مهين
كسّاب انتفض بعنف وهو ينتزع يده بحدة ويقف ليبتعد عنها وذكرى جلسة استجداء مريعة ومؤلمة كان هو بطلها قبل أربع سنوات تعود لذاكرته..
وكأن الذكرى المقيمة في خلايا ذاكرته غادرته أصلا!!
بينما كانت مزون تهمس بوجع حقيقي ورجاء مثقل بالألم: تكفى كسّاب ماعرفنا لنا أم صدق إلا خالتي عفرا
ولو صار لجميلة شيء خالتي بتموت من الحسرة
تزوجها لو تبي تطلقها عقب ما تشافى

كسّاب بذات النبرة الباردة المحايدة: زواج بنية الطلاق أنتي عارفة عدل إنه حرام
والشيء الثاني جميلة طول عمري اعتبرها اختي الصغيرة ومستحيل أفكر فيها زوجة

مزون بوجع: زين والحل؟؟

كسّاب يشعر بصداع فعلي وأعصابه على وشك الانفلات من تزايد الغضب.. الحالة التي لابد أن تصيبه كلما رآى مزون
همس من بين أسنانه: الحل مهوب شغلش.. ويالله.. برا.. اطلعي برا

مزون توجهت للخارج مجبرة.. تجر أذيال خيبتها وحزنها للباب
ولكن قبل أن تخرج رأته يلتقط شيئا من جيب ثوبه المعلق ثم يخرج لشرفة غرفته
عادت وتبعته وقلبها تتصاعد دقاته رعبا من المشهد الذي تتوقع أنها ستراه بعد أن لمحت الشيء الذي أخرجه من جيبه
كانت عاجزة عن مجرد التصديق
أ يعقل؟!!
أ يــــعــــقـــل؟!!!!

حين وصلت للشرفة وقفت أمام بابها ثم شهقت بكل الرعب:
تدخن كسّاب؟؟ تدخن؟؟
من متى؟؟ وإبي يدري عنك؟؟

كسّاب تفاجأ برؤيتها.. لم يكن يريدها أن تراه بهذا المنظر
رغم كل الألم الذي بعثته في حياته.. ورغم كثرة ما تبادلا الجرح
ولكنه يبقى منظرا يكره الرجل الحر أن تراه محارمه
"تلك الرفيعة اللعينة تنثر دخانها وتتمدد بين شفتيه!!"

همس كسّاب بسخرية مرة وهو يلقي السيجارة على بلاط الشرفة ويدهسها بقدمه العارية دون أن يهتم باللهيب المحرق الذي انطفأ في باطن قدمه :
الحين تبين إبي يحاسبني أنا الرجّال على أني أدخن
وهو ما حاسب البنت اللي سوت أكثر من التدخين بواجد..
احنا بيت القيم عنده مقلوبة..
جات على التدخين يعني؟!!

مزون امتلئت عيناها بالدموع: كسّاب حرام عليك اللي تسويه في نفسك
أخرتها تدخين.. وش عندك بعد تبي توجعني فيه؟!!

كسّاب يعطيها ظهره وهو يتسند على طرف حاجز الشرفة ويهمس ببرود قارس:
وهو كل شيء في حياتنا كلنا لازم يتعلق فيش يعني؟؟!!
مزون اطلعي برا.. وحياتي مالش دخل فيها
إذا أنتي سويتي اللي في رأسش..تبيني أنا كسّاب ما أسوي اللي في راسي
أدخن ما أدخن مهوب شغلش
لو حتى شفتيني أحرق روحي بغاز.. مهوب شغلش ولا تدخلين

خرجت وهي لا ترى طريقها من عينيها الغارقتين في طوفان من الدموع..
بينما هو زفر بحرارة لاهبة أحرقت صدره قبل تغادر روحه المثقلة بالغضب
وهو يوجه للحاجز الحجري عدة لكمات فرغ فيها بعضا من غضبه.. ولم يشعر بنفسه إلا مع تصاعد الألم في كفيه
ليتناول علبة السجائر ويقذف بها إلى أبعد مدى عبر الشرفة
ليمنع نفسه من تناول سيجارة أخرى
فهو منذ بدأ التدخين في ذلك التاريخ المشؤوم قبل أربع سنوات
لم يكن يدخن إلا حينما يغضب.. ولا يتجاوز ما يدخنه سيجارة واحدة في اليوم..
شبكة ليلاس الثقافية
وقد تمر أيام كثيرة لا يدخن مطلقا إن لم يعكر مزاجه شيء
كان يستطيع تركها بسهولة.. ولكنه احتفظ بهذه العادة الرديئة حتى يحرق أعصاب والده فقط!!
الذي كلما رأى السجائر معه غضب ليعنفه حينا.. ويعاتبه حينا آخر
ليرد كسّاب عليه ببرود وقح: واحد أخته كابتن طيار.. وش تتوقع منه يسوي؟؟



بعد ذلك بساعة
غرفة مزون

مازالت مستمرة في بكاءها الهستيري
فاليوم كان أكثر من احتمالها بكثير
جميلة أولا ووضعها المتردي
ثم حوار طويل مع كسّاب لأول مرة منذ سنوات
ثم ختامها تدخين كسّاب

أي نهار مريع هذا؟!!
بل أي حياة مريعة هذه؟!!
هاهي أنهت دراسة كرهتها .. وعلى وشك استلام عمل لا تعلم إن كانت ستكرهه أيضا
ولكنها لا تستطيع التراجع
فهي فقدت معنى الفرح في حياتها من أجل أن تحقق حلمها المجنون

ماعاد للتراجع قيمة الآن..
عائلتها تغيرت قبل أربع سنوات.. تغيرت للأبد
كلهم تغيروا.. وكانت هي السبب
عناد كسّاب الموجوع المطعون في رجولته وثورة شبابه المعتزة في مقابل تشبث والدها بقراره الذي كانت هي من دفعته نحوه دفعا
مع رفض علي الذي لم يكن راضيا مطلقا ولكنه آثر التعبير عن رأيه بهدوء
ثم قرر الصمت والرحيل
حان لها أن تحصد الحصاد المر.. بل هي ظلت تتجرع مرارة هذا الحصاد قبل أن ينضج حتى
وهاهو نضج.. نضج تماما.. فلتتذوقه رويدا رويدا
تشعر أن خلاياها تتمزق ألما وتصرخ يأسا
فهي لم يكن لها أي حياة مطلقا بعيدا عن أسرتها.. هم محور تفكيرها وسعادتها الماضية
والآن محور آلمها!!!
فأي ألم هذا؟!! يحز في خلاياها وشرايينها وتلافيف عقلها الموجوع المثقل بالوجع والتفكير والهم الذي أضاف لعمرها سنوات كثيرة!!


قبل أربع سنوات



طرقات خافتة على باب مكتبه في بيته.. يرفع صوته بحنو وهو يتعرف الطارقة من رقة الطرقات: تعالي يأبيش.. ادخلي

رغم أنه في داخله كان يتمنى ألا يراها الآن، فلديه من الهموم الكثير.. هموم ولدّها خبران قصما ظهره تماما.. خبران كانت هي سببهما!!

تدخل بخطوات مترددة.. قلقة وهي تخفي وجهها المحمر عن مدى نظراته.. نظراته التي كانت على أوراق أمامه: اقعدي.. دقيقة وحدة وأفضي نفسي لش

تجلس على المقعد المقابل وهي تدعك كفيها بتوتر.. وتمسح بشكل متكرر أنفها المتفجر احمرارا

يرفع رأسه وهو يبتسم لتتحول ابتسامته لتجهم قلق وهو يقف ليتوجه ناحيتها ويرفع وجهها
ويهمس بقلق مبطن بالتدليل: وأشفيش يأبيش؟؟ كنتي تبكين.. أفا ياذا العلم.. وش اللي مضايق حبيبة أبيها؟؟

لم يُحمل الأمر أكثر مما يحتمل.. فهي مدللة.. وكثيرا ما تستخدم دموعها للضغط عليه.. فهو يدلل وكساب كان يدلل.. وعلي يدلل.. وخالتها تدلل
فكونها الأصغر التي لم تتمتع بحنان أمها..فجّر حنانهم كلهم عليها

ولكن قلقه كله تفجر حين انفجرت في بكاء هستيري: ما أبي الكلية خلاص.. ما أبيها.. أبي أطلع.. تكفى يبه خلاص

زايد يتنهد بحزم: والسبب؟؟

مزون بين عويلها: ما تشوف كسّاب أشلون تغير.. وأشلون يعاملني.. البيت ما يجيه إلا أخر الليل.. ولو شافني يصد ويقلب وجهه كنه شايف زبالة
تكفى يبه.. خلاص ما أبيها..

زايد يتركها ويعود لمكتبه ليجلس ويقول بكل حزم: ماعاد هو بعلى كيفش
تحملي نتيجة قراراتش..
قبل شهر يوم جيتيني.. وقلتي لي أبي طيران... قلت لش هذا تخصص ما يدخلونه بنات الحمايل ولا ينفع لش..
حاولت أقنعش بأي تخصص ثاني بس أنتي ما رضيتي
كسّاب عصب وكسّر الدنيا.. وحتى علي بين لش إنه رافض نهائيا تدخلين ذا التخصص
ومع كذا أصريتي.. وقعدتي تبكين عندي.. أنت وعدتني أنت وعدتني..
خليتي وعدي لش سيف على رقبتي
زعلت خلق الله عشانش
خليتيني قطيت وجهي عند الوزراء والشيوخ عشان أدخلش الكلية بشروطش
وكل واحد منهم أكلمه يقول لي: يازايد من جدك تبي تدخل بنتك طيران
لكني بديت رغبتش على كل شيء.. حتى على قناعاتي أنا

ثم انفجر زايد وهو يقف بعنف و براكينه المكتومة منذ أكثر من شهر تثور وتثور:
أثرش شايفة السالفة لعبة من ألعابش.. تلعبين فيها شوي وتقطينها
تبين تراجعين الحين عشان كسّاب.. وينش منه وهو مرة يترجاش ومرة يعصب عليش مرة؟!! .. ماكسر خاطرش؟!!.. هان عليش تسوين فيه كذا؟؟..

وإلا يمكن قلتي لنفسش أنا دلوعتهم.. يوم ويومين وينسون
كنش ما تعرفين كسّاب وعناده يعني...
كسّاب لو مابعد دريتي سجل في جامعة في أمريكا خلاص.. وبيروح عقب شهر بالكثير
وعلي طلب نقله لمكاتب التمثيل الدبلوماسي الخارجي

خلاص يامزون اللي انكسر ما يتصلح...وطريقش بتكملينه لين آخره.. برضاش، غصبا عنش بتكملينه..
أنا ما خسرت ذا كله عشان لحظة طيش منش وعناد... مثل ما أتخذتي ذا القرار وأنتي تقولين مقتنعة... تحملي نتيجة اقتناعش..
ويا ويلش لو ما نجحتي وتفوقتي بعد.. والله لا تشوفين شيء عمرش ماشفتيه
وإن قد تشوفين وجه زايد الثاني اللي مابعد شفتيه


زايد أنهي سيل كلماته المتفجر.. وخرج..
كان يريد الاختلاء بنفسه.. لأول مرة ينفجر في صغيرته هكذا.. ولكنه وصل منتهاه.. بل أقصى منتهاه
أ هكذا تفعل به.. وبإبنائه.. ثم تقول تراجعت.. لا أريد..

" ماعاد الأمر بيدك يا مزون.. ماعاد بيدك
فكل شيء خرج عن السيطرة من أجل تحقيق رغبتك المجنونة
حققيها إذن!!
حققيها..
تذوقي ما كسرنا بقلوب أخوتكِ من أجله
اجعلي تضحيتي بهم من أجلك تستحق"


انهارت مزون في بكاء أعمق وكلمات والدها تنزل فوق رأسها كالصواعق...
كيف تعيش من غيرهم.. كيف يرحلون ويتركونها.. كيف؟؟!!
كيف تصمد من دون فوضاهم المرحة المليئة بالحياة حولها؟!!
كيف تعيش دون عبق رجولتهم الحانية يحتويها؟!
كيف ستعيش في هذا القصر الضخم مع الأطلال والخيالات الموحشة؟!!
أ تهجر البيت لتسكن مع خالتها؟! وزايد ؟؟ زايد الذي ضحى بكل شيء من أجلها.. لمن تتركه؟؟ لمن؟؟
ستبقى من أجله.. ليتجرعا الحزن والوحدة سويا!!


كان هذا قبل أربع سنوات..
وكم تغيرت خلال هذه السنوات الأربع
من فتاة عنيدة مدللة خالية من الهم.. لأنثى مكسورة على كتفيها أطنان من الهموم..
قبل ذلك لم تكن حتى تلحظ تواضع جمالها.. كانت ترى نفسها جميلة
فروحها محاطة بالاحتواء والود وكل ذلك كان ينعكس على نفسيتها وصفاء روحها
ولكنها الآن أصبحت ترى نفسها خالية من أي حسن.. وكأن تمّزق روحها ويأس مشاعرها انعكس على صفحة وجهها البائس..
وكانت كلما ازدادت حزنا.. كلما ازدادت في دراستها تفوقا..
مثل بعض ممن يعانون من السمنة.. كلما إزداد تاثره من سمنته.. كلما ازداد أكله وكانه بذلك يعاقب نفسه..
وهي كانت تعاقب نفسها...
كانت تدرس وهي تكره الكتب.. وتود لو تمزقها بأسنانها
كانت تتدرب على قمرة القيادة وهي تود لو تحطم كل هذه الأزرار والأضاءات وتنتزع كل هذه الأسلاك
كانت تؤدي الامتحانات كأفضل ما يكون وهي تشعر أنها على وشك التقيء على ورقة الامتحان

" أ لم أضحي بالجميع من أجل هذه الدراسة التي أصبحت تثير غثياني؟!!
إذن لأزدد غثيانا..
لأزدد غثيانا!!"




************************





اليوم التالي يوم أحد
بيت آخر في الدوحة
العصر


في صالة البيت السفلية تجلس بعد أن صلت العصر قبل أكثر من نصف ساعة وأمامها قهوة وفوالة العصر المعتادة
تحكم لف جلالها حول وجهها.. فهي وإن كانت لا تلبس برقعها في بيتها حين لا يكون عندها زائرات
فإنها اعتادت ألا تكشف شعرها مطلقا ودائما جلالها ملفوف حول رأسها بإحكام
رغم أنها وهي في الخامسة والأربعين مازال شعرها جميلا بلونه الكستنائي الذي ناسب الحناء التي لا تستغني عن وضعها
ولم يكن شعرها هو الشيء الوحيد الذي مازال جميلا.. فهي بمجمل تفاصيلها مازالت رائعة الجمال
ولكن لم يعد لملامحها ذات التحدي الموجع الذي كان يلسع القلوب ، فالأمومة ومرور السنوات أكسبا ملامحها رقة دافئة
وإن كانت روح التحدي مازالت تقبع داخل تلك المهرة التي ما أخضعها رجل يوما حتى مع زواجها مرتين..
ولكن روح التحدي الشرسة الوثابة أورثتها مضاعفة أضعافا كثيرة لسواها!!!!!


"يمه.. يمه.. شفتي جوالي؟!!"

همست بهدوء وهي ترفع عينيها للشابة التي تنزل الدرج في غلالة جلابية من حرير سماوي:
زين قولي السلام عليكم أول.. داخلة على مسلمين مهوب يهود

ابتسمت الشابة وهي تصل وتطبع قبلتها على رأس والدتها وتهمس من قرب بصوتها الحريري ببحته المستحيلة: السلام على أحلى مزنة في تاريخ البشرية

كان صوتها خليطا مستحيلا من برودة الفولاذ وقسوته.. ونعومة الحرير وانسيابيته..
صوت تعجز عن تصنيفه.. هل هو أشبه بتغريد العصافير؟!! أم بطبول الحرب؟!!
ولكن المؤكد أن تأثيره هو خليط منهما.. سكون العصافير وتدمير الحروب
حين تتكلم العيون والآذان تتجه فورا لهمسها وكأن به سحرا يجبر الآذان على البحث عنه للاستزادة منه.. أو الهرب منه!!

همست مزنة بذات الهدوء: جوالش أنا خذته أكلم فيه امهاب.. عشان شحني فضا وحطيت تلفوني على الشاحن

الشابة بعذوبة صوتها المستحيل: الجوال وراعيته فدوتن لعيون أم امهاب

ابتسمت مزنة : ماذا بعندش وأنتي نازلة تصايحين كنش مفلوجة

الشابة بابتسامة: خلاص عديها يا مزنة
ثم أردفت وهي تتلفت: وين جدي.. مابعد جابه سليم من المسجد؟!!

مزنة بحزم هادئ: جاء قبل شوي ودخل ينسدح
الحين اقعدي خل أتكلم معش وعقب روحي جيبيه من غرفته

الشابة تعقد حاجبيها مستفسرة: عسى ماشر؟؟

مزنة بذات الحزم الهادئ: الناس اللي يتنون ردنا.. وش أقول لهم؟؟

الشابة برنة سخرية: ليه أنتي مابعد رديتي عليهم؟!!

مزنة بنبرة بها بعض غضب: ليه أنتي رديتي علي عشان أرد عليهم

تقف وتهز كتفيها باستهزاء: طبعا مرفوض.. وخلني أروح أجيب جدي أحسن من ذا السيرة

حينها وقفت مزنة وأمسكت عضد ابنتها بقوة وهمست بغضب حازم:
اقعدي لين أكمل كلامي ياقليلة الحيا..
بتروحين وأنا عادني أحكي يا للي ما تستحين؟!!

حينها التفتت الشابة لوالداتها بحدة ولهيب آسر يشتعل في موج العينين الأسطوريتين..
الليل الموغل في السواد والسحر والتعذيب.. الذي تقف أهدابها حوله كرماح متراصّة من سواد صقيل :
أنا يمه اللي ما أستحي؟!!

تنهدت مزنة وهي تحاول السيطرة على غضبها فهي تعرف أن ابنتها تشبهها
ولو غضبت فيستحيل أن تكمل معها الحديث الذي لابد من انهاءه
وبما أنها الأم ومن يجب أن يمسك بزمام الأمور خففت حدة صوتها وهي تدفع في صوتها بعض الحنان المدروس:
يأمش ما يصير يشب شبيبش كل ما جبنا ذا الطاري
اقعدي يأمش.. اقعدي الله يهداش

تنهدت الشابة وهي تعاود الجلوس رغم أنها لا تريد الجلوس إطلاقا:
يايمه قلت لش من أول يوم ما أبيه

تنهدت مزنة: وأنا قلت لش فكري

أجابت بنفاذ صبر: وأنا قلت لش ما أبي أفكر.. وحسبت الموضوع انتهى خلاص

مزنة تعاود التنهد للمرة الالف حتى لا يتفجر غضبها الذي تحاول كتمه:
أنتي يا بنتي ماعادش بصغيرة قدش بتكملين 26 سنة
احمدي ربش عاده يجيش خطّاب..

حينها رفعت الشابة حاجبا وأنزلت الآخر وهي تهمس بغرور حقيقي غير مصطنع إطلاقا:
هم اللي يحمدون ربهم إنه كان لهم شرف المحاولة
يمه.. من هي مثلي المفروض تاخذ ملك.. مهوب ذا البزارين التافهين اللي الواحد منهم مايستاهل ظفر رجلي

والدتها بغيظ: تراش مسختيها.. إذا على شوي الزين اللي عندش.. ترا المزايين واجد..

الشابة بسخرية: شوي الزين؟!!!
ثم أردفت بثقة: يمه حلفتش بالله قد شفتي من هي أحلى مني في الحقيقة وإلا حتى في التلفزيون
يمه ذا الزين كله حرام يضيع على واحد تافه إمعه
أكيد الله سبحانه ماعطاني ذا الزين وذا الذكاء كله عبث.. أكيد له حكمة

تنهدت مزنة للمرة المليون: يأمش الزين من زانت أفعاله
والرجّال اللي جايش رجّال فيه خير.. نقيب في الجيش ومن ناس معروفين وعندهم خير
ومهوب صغير في السن.. عدا الثلاثين

الشابة بذات السخرية: يعني آخرته طار وإلا وقع جندي..
وخير ياطير 30 سنة؟!!.. بزر بعد
ويوم إنه عاجبش كذا.. عطيه بنتش اللي ما منها فود

مزنة بغضب: عيب عليش ذا الكلام
وضحى مهيب بايرة..تقطين عليها اللي ماتبينهم.. بيجيها نصيبها..لكن أنتي الكبيرة
وأم الرجّال جايتش أنتي على الوصف.. جعل أمحق وصف وزين ماعينا من وراه إلا يباس رأسش

الشابة وقفت وهي تتنهد لتنهي الموضوع: يمه فديتش خلاص جعلني الأولة..
تأخرت على جدي

ثم تركت والدتها غارقة في غضبها وابتعدت لناحية أخرى من البيت حتى وصلت لغرفة لها بابان
باب لداخل البيت وباب يفتح على حوش المنزل من ناحية مجلس الرجال
حركت مزلاجا يقفل الباب من ناحيتهم وفتحت الباب فتحة صغيرة جدا وهتفت بأمر حازم: سليم اطلع روح المجلس
بقيت واقفة خارج الباب حتى سمعت صوت الباب الآخر يقفل
حينها دخلت وأغلقت الباب المتوجه للخارج
ثم توجهت لسرير جدها النائم
جلست بجواره وهي تنظر لوجهه الأسمر المتغضن بحنان بالغ
جدها هو الوحيد الذي يذيب خلايا قلبها.. معه تتحلل من عنادها وتسلطها وغرورها
مدت يدها تمسح على جبينه المحفور بتجاعيد غائرة
تتمنى لو أستطاعت أن تمسح هذه التجاعيد علها حين تمسحها تطيل في عمره
فأكثر ما تخشاه في هذه الحياة أن تكون حياة خالية من وجود هذا الشيخ

" ريحة يدش المعطرة ما تخفاني"
همسه الموغل في الشيخوخة وصل طيات روحها قبل أن يصل أذنيها

ابتسمت بحنان ومرح: ماشاء الله عليك يبه.. عديت التسعين.. وعادك تشم كذا

ابتسم وهو يفتح عينيه الغائرتين في تجاويفهما ليكشف عن فم شبه خال من الأسنان: ول عليش.. كلمة نضول

انحنت لتقبل يده الممددة على صدره وتهمس من قرب: جعل عمرك طويل.. وجعلني ما أذوق حزنك

مد يده لتساعده على الجلوس وهو يهمس بما يشبه اليقين: اللي بتذوقينه يأبيش

انتفضت بجزع حقيقي وهي تمد يدها لتعدل من جلوسه وتحتضن كتفيه ثم تقبل عضده وتهمس:
تكفى ما تقول كذا.. ما تدري يمكن يكون عمرك أطول من عمري
شبكة ليلاس الثقافية
حينها كان هو من انتفض بجزع بعمق شيخوخته: جعل ربي ما يفجعني في حدن منكم.. مثلي يا أبيش يقول يالله حسن الخاتمة
قد الموت أحسن لي من الحياة..
ماعاد باقن من صفتي حد.. (أي أن أبناء جيلي كلهم ماتوا)

حينها ابتسمت بشفافية: لأنه أنت نادر يبه.. والنادر ما يقارن نفسه بصفته ولا غيرهم

همس بهدوء عميق: ماعلى الموت نادر..

يضايقها هذا الموضوع كثيرا.. تكره مجرد التفكير فيه.. ولكنه بات موضوعه المفضل.. مشغول بالموت وانتظاره بل وتمنيه..
مشتاق للقاء ربه وإنهاء رحلة هذه الحياة التي طالت كثيرا..
ولكنها تريده جوارها.. ولا تعرف للحياة معنى بدونه.. هو الأحب إلى قلبها
تحبه أكثر حتى من والدتها وأشقائها.. بل حبها له لا حدود له.. تفضله على كل شيء في العالم
ومستعدة للتضحية بكل شيء وأي شيء من أجله وحده

همست بشبح ابتسامة: أفا ياجابر تبي تروح ما زوجتني..لازم تزوجني أول..

همس بضعف باسم: والله يأبيش مابقى من هل ذا المقطر حد ماخطبش.. صبيهم وشيبتهم.. صاحيهم وخبلهم .. (المقطر: كلمة تستخدم لحي متجاور من الخيام)

ابتسمت بعذوبة لتكشف الشفتان المتوردتان المثيرتان عن صف أسنان استثنائي في صفائه وصفوفه: شأسوي يبه لحد الحين ماجاء الرجّال اللي في بالي

ابتسم الجد جابر ثم قال بجدية: أنتي يأبيش ما تأخذين رجّال.. تأخذين خروف

قطبت حاجبيها بغضب عاتب: هذا قدري عندك يبه؟!!.. تزوجني خروف؟!!

عاود الابتسام: يأبيش أنتي أصلا رجّال.. واللي مثلش مايقدر يعيش معها إلا خروف تعقد حبلها في رقبته وتقوده..

هذه المرة قطبت حاجبيها بحزن.. لو كان من قال لها هذا الكلام أحد سواه لم تكن لتقبل حتى حرفا واحدا.. وكانت أشعلتها حربا شعواء:
كذا يبه.. هذا وأنت الغالي عندي!!!

لم يعلق على كلامها.. بل واصل كلامه بنبرة منطقية: تدرين يأبيش.. أنتي كنش أمش..
من غير حقران في أبيش ولا في أب امهاب الله يرحمهم اثنينتهم.. لكن أمش كانت أرجل منهم.. والثنين كانت مزنة شايخة عليهم
والواحد منهم مايقدر يخطي لها كلمة.. ولولا أنهم كذا أو ماكانوا صبروا عليها.. وأنتي مثلها .. اللي بتأخذينه إذا ماشختي عليه.. منتو بعايشين سوا

قطبت جبينها: مابي واحد أشيخ عليه.. أبي لي رجّال صدق.. رجّال يهز المجالس
وأمي لو كان لقت رجّال مثله ماكان عيّت منه..الله يرحم أبي وعمي أبو امهاب

تناول غترته من جواره بيد مرتعشة ليضعها على رأسه ويلفها حول وجهه ويهمس بهدوء:
أمش جاها الرجال اللي يهز المجالس بدل المرة مرتين وعيت منه.. وأنتي كنش إياها
والرجّال اللي جايش ذا الحين مافيه قصور..

همست بغضب: يبه لا تقارنني كل شوي بأمي.. والرجّال اللي جايني ما أبيه.. مايملأ عيني..

مد يده يبحث عن عصاه ليتوكأ عليها وهمس بذات الهدوء العميق: وش اللي يملأ عينش يا بنت مزنة؟؟

همست وهي تمد يدها لتسنده وتقوده لصالة البيت ليتناول قهوته مع والدتها.. همست بما يشبه الحلم: أبي رجّال صدق.. رجّال بمعنى الكلمة
ولو مالقيته الأحسن أقعد في بيت هلي


جامعة قطر
بوابة كلية العلوم بنات
الساعة الرابعة عصرا


شابتان متسربلتان بالسواد تقفان قريبا من الباب من الداخل
صبا المشاعر.. وحزن في القلب.. كلاهما تطوي حزنا ما في قلبها الغض!!
حزن لم تكن هي سببه.. ولكنها نشأت فيه!!
تحاول أن تنحيه في نقطة عميقة من أعمق خفاياها..تنساه أو تتناساه!!
ولكنه لا يلبث أن يطل برأسه القميء!!


تهمس أحداهما للأخرى: وضوّح من اللي بيجي يأخذش.. لو السواق بأروح معش

تهمس وضحى بهدوء عذب: مالش لوا اشعيّع.. بيجيني تميم..

تبتسم شُعاع بخبث مرح: أحسن بأروح معش.. ماتقولين إن تميم يدور عروس.. هذا أنا موجودة.. خسارة يروح عليّ ذا المزيون

نظرت وضحى لشعاع بشكل مباشر وهمست بنبرة عتب مقصودة: وأنتي جد بتوافقين على تميم؟؟

حينها ابتلعت شعاع ريقها بحرج: تميم من غير قصور فيه.. بس أنتي عارفة إني أمزح..

هزت وضحى كتفيها بألم: رجاءً شعاع.. تميم مهوب موضوع تمزحين فيه

شعاع بحرج حقيقي: خلاص وضحى.. أنتي عارفة إنه تميم ولد خالي.. ومثل إخي وأنا ما أقصد شيء

وضحى وهي تنظر لشيء غير مرئي: أو حتى تقصدين.. ما أقدر ألومش..

شعاع تحاول تغيير دفة الحديث والتغطية على حرجها: أشرايكم تسيرون علينا الليلة..

وضحى بشبح ابتسامة باهتة: ماله داعي.. أنتي عارفة إنه أختي وأختش ما يتواطنون.. والقعدة تصير مملة وأختش تحاول تستفز أختي

شعاع بعتب: وأنتي ليش تحطينها برأس جوزا.. كأن أختش هي اللي ملاك ماتسوي شيء

وضحى بذات الابتسامة الباهتة: صحيح أختي عيوبها واجد.. وأنا ما أدافع عنها
لكن إذا جينا للحق.. تراها تكبر عقلها واجد على خبال أختش
ترا أختي ما تنغلب في الكلام وسهل عليها تخلي جوزا ماتسوى بيزة.. بس هي تحشم عمتي

شعاع بابتسامة: زين خلينا منهم.. جد وضحى وبدون زعل وبصراحة وبيني وبينش.. أنتي وأختش علاقتكم ببعض طبيعية.. مثل الخوات العاديات؟؟

هزت وضحى كتفيها وهمست بطبيعية: لا..

شعاع باستغراب: لا.. بكل بساطة..؟!!

وضحى تبتسم: ليه أنتي شايفة (كاسرة) أخت عادية.. عشان تكون علاقتي فيها عادية؟؟

شعاع تبتسم: بصراحة كاسرة توصف بأي وصف إلا أنها عادية .. بداية من اسمها لشكلها لشخصيتها
تدرين وأنا صغيرة كنت متوقعة إن كاسرة لما تكبر بتغير اسمها.. استغربت اعتزازها فيه

وضحى بهمس: كاسرة اسمها لابسها تمام.. كاسرة وهي كاسرة.. أمي لما سمتها ذا الاسم كانت قاصدته تبيها تكون كاسرة في زينها وشخصيتها
وياسبحان الله.. صارت اسم على مسمى

شعاع بتساؤل: زين وليش علاقتش فيها غير عادية؟؟

وضحى تتنهد وهي تنظر للبعيد: احساس صعب إنك تكون موجود جنب شخص نوره يخليك غير مرئي.. يخليك مخلوق حقير جنبه..
مهما حاولت تبرز نفسك.. محاولاتك كلها تضيع

شعاع تنتفض بجزع: وضحى أنتي مافيش قصور عشان تقللين من قدر نفسش

وضحى تبتسم الابتسامة الباهتة اياها: زين أنا ماعلي قصور.. وكاسرة شتقولين عليها؟؟

شعاع بصراحة باسمة: كاسرة خليها برا المقارنات عشان ما نتحطم كلنا.. قارني نفسش فيني مثلا وانبسطي

وضحى بشبح ابتسامة لا لون لها : بس المقارنات غصبن عني وعنش تحضر
من وحن صغار والنسوان يقولون قدامي لأمي: أنتي اللي عندش من الزين كله عطيتيه كاسرة وزود.. ووضيحى ماخليتو لها شيء
وحتى بعيد عن الشكل لو عزيت نفسي أنه أساسا مستحيل أي وحدة مهما كانت حلوة إنها تقارن نفسها في كاسرة
كاسرة شخصيتها القوية ألغت وجودي .. أحيان كثيرة أحسهم ينسون أني في البيت في الوقت اللي هي لو غابت خمس دقايق يقلبون البيت عليها


كم هو مر هذا الإحساس الذي تجرعته وضحى منذ طفولتها!!
إحساسها أنها مخلوق زائد العدد في أسرتها.. مخلوق مجرد من الأهمية والمميزات
شبح إنسان يعيش على أطراف حياتهم
ورغم هذا لكنها لم تكن تكره كاسرة مطلقا.. بل كانت مولعة بها في ذاتها
ولكن مرارة الإحساس جاءت لأنها أصبحت تشعر مع مرور السنوات أنها مخلوق هلامي بلا شخصية
وفي الوقت الذي كانت كاسرة تزداد جمالا وتسلطا كانت هي تزداد بهوتا وضعفا
وكأن كاسرة تمتص منها كل شيء.. تقتات منها لتبرز هي..
لذا كانت علاقتهما مرتبكة غريبة ملتبسة.. بالتأكيد الحب موجود بينهما لأن هذه هي الفطرة السوية .. ولكن للحب ألوان عجيبة مجهولة وعصية على الفهم والتفسير
فكاسرة لا تفتأ تستهين بها وهي تتقبل الاستهانة بصمت.. لأنها تشعر أنها ليست
ندا لكاسرة ولا بأي شكل من الأشكال
تشعر أنها جوارها غير مرئية..
"فمن سيرى حصاة معتمة بجوار شمس شديدة الإشراق؟!!!"
رغم أنها هذا غير صحيح.. غير صحيح!!
فوضحى لها شخصية مثيرة لها اعتباريتها الكبيرة داخل أسرتها
ولكن هي لا تشعر بذلك.. ووجود كاسرة جوارها يشعرها بالضآلة!!




**************************



مزنة تتحادث في الهاتف وحرجها يتصاعد من الطرف الثاني
بينما كاسرة تجلس بجوار جدها تسكب له القهوة وإبتسامة مرحة ترتسم بإثارة على شفتيها وهي ترى حرج والدتها من الطرف الآخر.. ومحاولتها لإيجاد أعذار ليست مطلقا الحقيقة

أنهت مزنة اتصالها لتلتفت إلى كاسرة بغضب: عاجبش كذا؟؟ خليتني في نص هدومي من المرة.. فشلتيني فيها وهي تقول ولدي وش عيبه تردونه
وأنا أتحجج لين عجزت.. كله من خبالش

حينها انفجرت كاسرة في ضحكات عذبة: شكلش يمه كان تحفة.. بس احمدي ربش إنها اتصلت قبل تجي.. عشان ما تنحرجين منها فيس تو فيس

مزنة بغيظ: أحر ماعندي أبرد ماعندها... والله إن الرجّال ماعليه كلام.. ضيعتيه من يدش كذا..

كاسرة مازالت تضحك: المركب اللي تودي..

حينها همس الجد بإبتسامة ولّدّها رنين ضحكات كاسرة التي تصب في روحه لتنبئه أن هذا العالم بخير ما دامت تعمره ضحكاتها الغالية:
خليها يامزنة.. بنتي ذي مهرة.. والمهرة ما تغصب

مزنة بغضب: ماحد مقوي رأسها إلا أنت.. كل ماجاها رجّال فيه خير عيت منه بدون سبب

جابر بهدوء عميق: مثل ما قويت رأسش قدامها.. وافقتش يوم عيتي من زايد

حينها ضحكت مزنة: يبه ما سجيت.. ياه يبه ذاك زمان مضى

جابر بذات هدوءه العميق: والله يأبيش كل ما أشوفه إلى ذا الحين.. يطري علي أشلون أسود وجهه يوم رديته.. ما يستاهل أبو كسّاب من يرده..
أنا أشهد إنه قرم.. وإنه واصل.. ما يسج منا ياشيبانه

حينها قاطعت كاسرة الحديث بإعجاب: بس يمه من جدش ومع احترامي لش.. فيه وحدة في كامل قواها العقلية.. تعيي من زايد آل كساب.. هذا مدرسة اقتصادية ذا الحين
عــبــقـــري!!

ابتسمت مزنة بروح خالية.. فما مضى مضى بالنسبة لها: يأمش زايد الله يهداه كان شديد بزيادة..
يوم كانوا جيراننا كان مجنني.. لا تطلعين.. لا تدخلين
وحتى الضرب ضربني.. وأنا إبي اللي هو إبي عمره ما مد يده علي
ثم أردفت بضحكة: لو أنا خذت زايد كان ذبحني .. أو أنا ذبحته

همست كاسرة باستفسار: تعرفين مرته الحين؟؟

مزنة بتأثر: وسمية بنت محمد.. الله يرحمها ماتت شباب.. وخلت عيالها بزارين
ثم أردفت بإعجاب: بس أنا أشهد إن خالتهم عفرا ماقصرت معهم.. حاضتهم كنهم عيالها.. (حاضى=أهتم بـ)
ثم أكملت بتاثر: الله يشافي لها بنيتها.. عين ما ذكرت الله.. شفت بنتها مرة وحدة قبل سنتين في عرس.. وقلت لها: ماتزوجينا ذا المزيونة..
هي ضحكت يا حليلها وقالت: امهاب ما ينرد.. بس بنتي عادها صغيرة..

ثم أردفت كاسرة بخبث: زين وليش ما خطبتي له بنت زايد بنفسها..

ضحكت مزنة: تبين امهاب ينجلط.. من يوم دخلت بنت زايد كلية الطيران.. وهو مولع ومحترق من زايد وبنته..
بس بصراحة إن زايد استخف على ذا الخبال.. يفضح روحه كذا..

كاسرة بإعجاب عميق: إلا رجّال بمعنى الكلمة.. اللي هو مقتنع فيه يسويه وما عليه من حد..
خلها تدخل كلية الطيران.. وتحرق أعصاب ولدش إللي يحسب إن مافيه طيارين غيره...




*****************************



إنه مساء الدوحة...نقرات ناعمة خافتة على الباب.. ثم تنهدت وضحى بألم وهي تتذكر وتضغط زرا بجوار الباب..
حينها فتح الباب لها شاب طويل قوي البنية وعلى وجهه الوسيم ترتسم ابتسامة دافئة حنونة وأشار لها أن تدخل بعلامة ترحيبية
فهذا الزر عند بابه يشيع ضوءا في غرفته ليعلمه أن هناك من يطرق بابه
أشارت له وهي تبتسم: ليش ماتعشيت؟؟

ابتسم وهو يشير لجسده القوي: لازمني حمية شوي.. زايد وزني

حينها ضحكت وهي تشير وتهمس بصوت مسموع: إذا أنت زايد وزنك ..وش نقول على امهاب؟؟

حينها قاطعهما صوت قوي ومرح يدلف مع الباب المفتوح: سامع اسمي الله لا يبيح منكم

حينها دخل ليغمر المكان بإشعاع حضوره المختلف
كان أطول من تميم وأعرض ورغم أنه لم يكن وسيما بالمعنى المتعارف عليه
ولكن له حضورا استثنائيا يوحي بالرهبة والحنان في ذات الوقت ..
هاهو أصبح في الثلاثين: مسؤولياته تشغله عن كل شيء.. مسافر دائما
ولكن أسرته ترتحل معه وفي ذاكرته منذ أن تحمل مسؤوليتها بعد وفاة زوج أمه قبل أكثر من خمسة عشر عاما
وكانت حينها وضحى في عمر السابعة وتميم في التاسعة وكاسرة في الحادية عشرة

ابتسمت وضحى: ماقلنا شيء غلط نقول تبي لك شوي ريجيم..
همست بالجملة وهي تشير بها في ذات الوقت
هكذا اعتادت أن تتكلم في وجود تميم حتى لو لم تكن توجه الحديث له
كانت تهتم كثيرا لإشراكه معهم.. لذا كانت من أصرت منذ بلغت الرابعة عشرة على تعلم لغة الإشارة على أصولها
قد يكون جميع أهل البيت لديهم القدرة على التفاهم الجيد مع تميم.. لكن هي لديها قدرة على التحادث معه مطولا بلغته الخاصة
فهي كانت من لاحظت أن تميما بدأ بالتباعد في عوالمه الخاصة لأنه لا يجد من يتحدث معه بعيدا عن المدرسة
حينها أحبت أن تصنع شيئا لا تستطيع كاسرة التغلب عليها فيه وفي ذات الوقت تحتفظ بقرب تميم منها
لذا تعلمت لغة الإشارة على يد معلمة خاصة وتعبت كثيرا وهي تتعلمها لتتفاهم مع تميم
رغم أن تميما رفض بداية أن تتعلم هذه اللغة من أجله..
ولكنه فيما بعد قدّر كثيرا جميلها هذه وهو يجد من يستطيع أن يتحاور معه بطلاقة..
وبدأت وضحى تفكر جديا حين تنهي دراستها أن تعمل في مجال تعليم الصم والبكم..

"وضحى وتميم عالمان زاخران مثقلان بالعمق والغموض.. "


تميم العالم المجهول المغلق على أفكاره.. أنهى الثانوية في مدرسة التربية السمعية بمجموع كبير ولكنه لم يستطع دخول الجامعة
لأنه لا توجد هنا جامعة لمن هم في مثل حالته..
شكّل هذا الأمر له احباطا كبيرا وحزنا أكبر..
أن تعلم أنك قد تكون أفضل من مئات ممن دخلوا الجامعات
ولكن لأنهم يمتلكون حاسة لا تمتلكها تكون فرصهم في الحياة والدراسة أفضل
ولكن هذا الاحباط لم يوقفه..فبعد عدة أشهر بدأ تميم يعلم نفسه ذاتيا على تفكيك أجهزة الحاسوب مستعينا ببرامج للتعليم الذاتي على الانترنت

هذا العالم جذبه وسحره.. مع هذه الحواسيب والبرمجيات لم يكن يحتاج للحديث أو لمن يسمعه
تكفيه هذه العلاقة التي صنعها بأنامله الذهبية.. علاقة حساسة ثرية ومفعمة بالتفاهم والود
وكأن هذه الأجهزة تستجيب لرقة أنامله.. لتفكك ماهو عصي منها وتصلح ما استعصى على الإصلاح

وقبل عامين أنشأ محله الخاص.. وأصبحت له سمعته الرائعة في السوق
ولأن هذا العصر هو عصر الحواسيب بالفعل.. فعمله كان مزدهرا حقا
ومدخوله الشهري يتجاوز راتب وزيرين معا

ولكن...
هذه الروح الوثابة المسجونة بين أضلاع صدره كانت تتوق للانعتاق
يشعر أن علاقته بالحواسيب باتت أقوى من علاقته بالبشر
فهذه الآلات صامتة وحساسة.. مثله تماما
ولكنه يتوق لروح إنسانية تحاوره وتتمازج معه.. تعايش معه همومه وأفكاره وآماله وطموحاته

لـــــذا
قرر أن يتزوج رغم صِغر سنه!!

ليصتدم بمشكلة أخرى:
"والـــدته!!"

فهو يريد أن يتزوج من فتاة تكون بنفس حالته
يريد شريكة يتفاهم معها بلغته التي يستطيع التعبير بها
يريدها أن تكون لغتها أيضا حتى يكون تعبيرهما على ذات المستوى من العمق والإحساس
لم يرد للمرأة التي تشاركه الحياة أن تشعره بالنقص وأنها تتفوق عليه
وأنها حين تحادثه بالإشارة فهي تتنازل من عليائها لكي تصل لمستوى فكره
كانت هذه الفكرة تؤذيه وتؤذي كرامته واعتزازه بذكائه وقدراته
ولكن مزنة كانت ترفض فكرة بشكل قاطع أن يتزوج من بكماء صماء مثله!!
فهي تفكر بالمرحلة الأبعد:
"أحفادها!!"


الأطفال حين ينشأون يتعلمون من أبويهم
وتميم وزوجته المفترضة قد تحكم ظروفهما مستقبلا أن يعيشا في بيت مستقل
فلو بكى الطفل من الذي سيسمعه
ثم حين ينشأ.. كيف سيتعلم اللغة ؟؟ من أبوين أبكمين؟!!
عدا أنها تخشى أن يكون للوراثة دورا فيؤدي ذلك إلى أطفال يعانون ذات الإعاقة
وكانت تعلم يقينا أن ابنها مع إعاقته سيجد من هي صحيحة الحواس لتوافق عليه
فهو شاب بكامل فتوته وصحته ووسامته ومقتدر جدا.. وتعلم أن نقطة الاقتدار وحدها تشكل إغراء يحسن فرصه في الزواج
فلماذا يتزوج من بكماء صماء؟!!!



***********************




بيت آخر في الدوحة
بيت فاضل بن عبدالرحمن زوج أم عبدالرحمن عمة أبناء مزنة
الطابق العلوي
غرفة شُعاع



وجه ودود حنون يطل مع الباب: بنات تبون شيء قدام أرقد؟؟

الصوتان معا: لا يمه فديتش..
ثم أردفت شعاع باحترام: حن أصلا يمه بعد شوي بنصلي قيامنا وبنام بعد

ثم أردفت الأخرى بمرح: شفتي يمه الطردة المحترمة.. تبي تعلمني إني طولت السهرة عندها وأقوم أفارق أحسن

ابتسمت أم عبدالرحمن: روحي لولدش يأمش لا يتوعا ويتروع وهو بروحه

رفعت جوزاء جهازا في يدها أشبه بشاشة صغيرة وهمست برقة: الجهاز شغال عنده يمه

حينها ضحكت شعاع: شيبه عمره ثلاث سنين وعادش حاطه جهاز البزارين عنده..
يا بنت الحلال غرفتش جنب غرفتي.. خلي الباب مفتوح وبنسمع صوته

جوزاء باستنكار: يا سلام عليش عقب ما يقوم ويتروع بروحه.. لا أنا أحب أكون عنده أول ما يقوم

شعاع بحنان: فديت روحه.. الدلوع حبيب خالته

جوزاء همست بحنان مصفى: الله يخليه لي.. ماطلعت من الدنيا إلا بذا الولد

شعاع باستفسار مُلح: جوزا أنتي توش صغيرة.. حرام عمرش 25 سنة بس..
بتقعدين على ذا الولد بس؟؟.. منتي بمتزوجه؟؟.. المرحوم له أكثر من ثلاث سنين من يوم توفى

جوزاء باستنكار: لا إن شاء الله.. تبين عمام ولدي وجده يلاقون سبب يأخذونه مني..

شعاع بمنطقية مستنكرة: لا تصيرين غبية.. أنتي عارفة إنه الولد في حضانتش.. وحتى لو تزوجتي.. وأعمامه وجده رفضوا حضانتش له.. الحضانة بتكون لأمي مهوب لهم..
ثم غمزت بعينها: وإلا تزوجي عم ولدش اللي خطبش أكثر من مرة.. وحلي المسألة كلها

جوزاء بغضب: تدرين.. أنتي الليلة مستخفة!!
تبين أتزوج رجال متزوج وعنده عيال؟؟!!

شعاع هزت كتفيها: بس أنا سامعة إنه مرته لها شهور زعلانة عند أهلها
لو بترجع كانت رجعت من زمان

جوزاء بنفاذ صبر: تكفين شعاع لا تدخلينا في ذا المواويل
أنا أعرف صالح يحب مرته.. مهوب بس يحبها إلا يموت فيها
وش صاير بينهم ما أدري.. بس أكيد بترجع...وأنا خلاص ما أبي أتزوج عقب عبدالله الله يرحمه..
ثم أردفت بوجع عميق كأنها تنتزع ذكرى أليمة من بئر وجع لا تنضب: كفاية اللي صار لي.. والله كفاية!!
وانا خلاص مابي من ذا الدنيا شيء إلا أني أتفرغ لولدي

ثم أردفت لتغيير الموضوع: وينه الدكتور عبدالرحمن.. وش فيه تأخر الليلة؟؟
ماعنده محاضرات بكرة؟؟

شعاع تبتسم: حلوة قلبت الموضوع ذي.. دكتور دحومي عند كابتن امهاب..

جوزاء بسخرية: أخيش هذا ما يمل.. يبي يكون قريب من ريحة حبيبة القلب يعني؟!!

شعاع باستنكار: جوزا عيب عليش ذا الكلام.. أنتي عارفة إنه عبدالرحمن وامهاب ربع من يومهم بزارين
وبعدي كاسرة عن الموضوع.. ترا شكلش يصير سخيف وأنتي يبين عليش غيرانة منها

جوزاء باستنكار مشابه: أنا غيرانة منها؟!!

شعاع بتأكيد مستفز: إيه غيرانة.. وإلا شتسمين الحركات البايخة اللي تسوينها كل ما تشوفينها

جوزاء بغضب: أنا لا غيرانة يا شعاع هانم ولا شيء.. السبب الوحيد إن بنت خالش هذي تستفز الواحد وتطلعه من طوره بغرورها وبرودها

شعاع تتنتهد: زين هي مغرورة وباردة.. أنتي كبري عقلش عليها
الحين الناس صايرين يقولون إنها هي اللي مكبرة رأسها عليش

جوزاء باستنكار أشد: أنا؟؟ أنا؟؟

شعاع بثقة حنونة: إيه أنتي.. أنا أدري إنه أطيب من قلبش مافيه.. بس لو تمسكين ذا اللسان شوي
تكفين خلي كاسرة في حالها.. ومافيه داعي تخلين حزازيات بيننا وبين بيت خالي

جوزاء وقفت وهي تقول بغضب هادر تنقلب فيه من النقيض للنقيض:
إيه.. إيه!!!
أنتي تبين الشيخ امهاب أخ عيال خالش وأخيش يبي الشيخة كاسرة.. وزيتنا في طحينا
وأنا اللي صرت العزول اللي مخرب عليكم الجو ومسوي حزازيات

شعاع وضعت يديها على رأسها استنكارا.. في الوقت الذي خرجت فيه جوزاء تنتفض غضبا وصفقت الباب خلفها بصوت مسموع



*********************





تأخر الوقت لم يتبق جالسا سواهما في مجلس مُهاب..
رفيقا الطفولة والصبا والشباب.. وحتى الغربة لم تستطع مطلقا قطع تواصلهما
حينما سافر عبدالرحمن للدراسة في بريطانيا.. حوّل مُهاب ما أستطاع من جدول رحلاته إلى مطارات لندن بين مطار هيثرو ومطار غاتويك
لذا كان يراه بشكل شبه أسبوعي..فالصلة الروحية بينهما استعصت على كل شيء
حتى حينما أراد عبدالرحمن كاسرة.. كان مُهاب هو أحد الأسباب الجوهرية للخطبة..
عبدالرحمن يعلم أن كاسرة رغم جمالها الموجع هي غير قابلة للاحتواء
ويعلم أنها حين تتزوج ستعاني ليعاني معها مُهاب وربما كل أسرتها
أراد أن يجنبهم جميعا هذا المصير..ولكن كاسرة أمعنت في رفضته ولعدة مرات
لا ينكر أن ذكرى جمالها الفتي المراهق قبل أن تتغطى عنه مازال يسكن ويسكر ذاكرته
ليبعث رعشة عميقة في أوصاله
ولكنها سلطة الجمال فقط!! فلم يكن عبدالرحمن من يشغله مظهر المرأة عن جوهرها
ولكن كاسرة كانت كاسرة بالفعل!!

همس بهدوء حذر: ها امهاب وافقت كاسرة على الخطيب الجديد؟؟

مُهاب يقلب شفتيه: لا.. مثله مثل اللي قبله

عبدالرحمن بذات الهدوء: وبما إنه خلاص الخطيب ورفضته كاسرة.. فهل لو رجعت وتقدمت بعد مرة... بترفضني؟؟

مُهاب بامتعاض: عبدالرحمن وش لك بذا السالفة كلها؟؟ ترا كاسرة هي الخسرانة.. المره اللي ما ترضى فيك، حظها مهوب حولها

عبدالرحمن بهدوء عذب: أبي قربك ياسنايدي

مُهاب بهدوء مدروس: تبي قربي؟؟ أظني عندي أخت غير كاسرة وأحسن منها









المواضيع المتشابهه:




إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ادب, روايات, عبرة, عظة, قصة قصيرة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



مواقع صديقة

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 11:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
المواضيع والردود المنشورة لا تعبر عن رأي [ ادارة منتديات عالم الزين ] ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر لا يجوز كتابة التعليقات و المشاركات التي تنتهك أيًّا من إرشادات المحتوى. من أمثلة ذلك، المحتوى (الخاص بالبالغين) أو العنف أو تأييد التعصب العرقي و المواد المحمية بموجب حقوق الطبع و النشر / في حال وجود شكوى يرجى مراسلتنا / [email protected] / دمتم برعاية الله

Security team

This Forum used Arshfny Mod by islam servant